كتبت / إيمان البلطى
عودة من الموت ( قصص من قصص ملحمة حميات منوف )
بلسان وكلمات أحد المتعافين من مرضى كورونا الذين تم حجزهم بمستشفى حميات منوف
لم أتخيل أنني سأعود إلى الحياة مرة أخرى بعدما قضيتُ ما يقرب من أسبوع تحت “ماسك” الأكسجين ،لكنها إرادة الله ومشيئته فهو وحده القادر على كل شيء، هو وحده القادر على أن يبعث الموتى من جديد، فسبحانه سبحانه.
دخلتُ مستشفى حميات منوف ما بين الحياة والموت محمولًا على الأعناق أعاني ضيقًا في التنفس، ونقصًا في الأكسجين نتيجة إصابتي بذلك الوباء “كورونا” الذي ابتلانا به الله عزوجل علَّنا نتوب ونرجع، ولكن للأسف نزداد بعدًا وجفاءً على الرغم من أن حكمة الله عزوجل واضحة وجلية لأولي الألباب.
قضيتُ عشرة أيام في الغرفة رقم 11 في عنبر العزل ؛لم أر النور خلالها ،خضعت خلال تلك الأيام لكورسٍ مكثف من العلاج ــ كل ذلك وأنا على ماسك الأكسجين ــ على يد نخبة مميزة ومتميزة من ممرضات المستشفى اللاتي لم يبخلن أبدًا بجهدهن ومجهودهن عليَّ وعلى جميع مرضى العنبر ؛فقد كنَّ متواجدات معًا دائما على مدار ساعات اليوم ليلًا ونهارًا، من أجل متابعة نزلاء العنبر، ومتابعة مواعيد جرعات الدواء، وأخذ عينات الدم من المرضى لإجراء بعض التحاليل والفحوصات منذ دخولنا المستشفى وحتى خرجونا منها، حتى أني أذكر أن أحد المرضى قد كَتب الله له الشفاء وحان يوم خروجه فإذا بإحدى الممرضات تأتيه وتخبره أنه لن يخرج ؛لأن هناك مشكلة في أحد فحوصات الدم الخاصة به، ولن يخرج حتى يتم علاجها.
والأهم من ذلك أنهن كنّ صاحبات فضل كبير في إعلاء معنوياتي ومعنويات جميع المرضى من خلال أسلوبهن الإيجابي المُحفز ، وابتسامتهن التي لا تفارق وجوههن والتي تبعث الأمل في نفوسنا المريضة المُجهدة.
تحية إجلال وتقدير لملائكة الرحمة على جَهدهن وجهودهن معنا نحن المرضى، تحية لهم على أداء عملهن بكل محبة ومودة تحت إشراف طاقم من الأطباء الأكفاء الذين لم يبخلوا بوقتهم ولا جهدهم ؛ فكثيرًا ما كنت أجدهم في الغرفة بين الحين والآخر يتابعون مرضاهم؛ فتجد أحدهم يطمئن على قياس معدل السكر لأحد المرضى، والآخر يتابع ضغط الدم لمريض ثانٍ، وآخر يطمئن على حرارة مريض ثالث،وآخر يقيس معدل الأكسجين، وهكذا.
أصدقكم القول إني وجدت داخل جدران مستشفى حميات منوف ما لم أكن أتوقعه،أو يتوقعه غيري حتى أن أحبابي كانوا يرفضون دخولي إياها، وأرادوا أن أذهب إلى مستشفى خاص، لكني أُشهد الله أني لا أجامل أحدًا بعينه، ولا شخصًا بذاته، ولا أتغنى بأمجاد مؤسسة بعينها، ولا أردد شعارات سياسية لامعة،فلم أكن يومًا من ممارسي السياسة ولا من مُحبِّيها .
أُشهد الله أني وجدت رعاية واهتماما أقل ما يوصفان به أنهما لا يقلّان عن مثيلهما في المستشفى الخاص لا فارق بينهما سوى وجود بعض الكماليات في الأخيرة لا يحتاج إليها مريض يعاني ما يعانيه مريض الكورونا.
لم يكن طاقم الممرضات وحده الذي يستحق الشكر والامتنان، وإنما كان هناك أناس آخرون يؤدون عملهم في الظل بعيدًا عن الأضواء؛ هم أعضاء الخدمات المعاونة من العمال الذين يصلون الليل بالنهار من أجل راحة المرضى وتلبية طلباتهم؛ والحديث عن مثل هؤلاء يطول ويطول؛ لقد كنت في حالة يُرثى لها ــ خاصة في الأيام الأولى ــ ؛لدرجة أنني كنت لا أقوى على الذهاب إلى الحمام، فكنت ــ أعزكم الله ــ أبول في فراشي حتى جاءني أحد العمال ــ عم محمد ــ وأخبرني أنه لا داعي لذلك ،وطلب مني أن أناديه كلما احتجت دخول الحمام، وبالفعل كان يأتيني ويحملني إلى الحمام، ثم يعود بي إلى فراشي .
ما أثقل ليل المريض، وما أبطأ ساعاته ؛كنت طريح فراشي لا أعلم من أحوال الناس إلا من صوت الأذان الذي أسمعه من مسجد المستشفى، وعندما يُقبل الليل، وأتوسل إلى النوم ليزورني لسويعات أو حتى لدقائق كنت أخشى إن زارني أن يسقط “ماسك” الأكسجين عن وجهي، أو ينفذ الماء الموجود في جهاز الأكسجين ،فكان”عم محمد”،يتولى تلك المهمة ويأتيني مرة ومرة أثناء الليل،وذات مرة انتبهت من نومي فوجدته يملأ لي جهاز الأكسجين بالماء .
لقد رأيت أناسًا يتعاملون مع غيرهم بكل رحمة وشفقة دون أدنى مقابل؛ أقسم لكم إني رأيت أحد العمال يحمل في يده حذاء المريض ويلبسه إياه ليساعده على دخول الحمام.
الكثير والكثير من المواقف الإنسانية التي عشتها وسط هؤلاء البشر الذين يستحقون منا كل إجلال وتقدير واحترام ،وعلى رأسهم من يدير هذه المنظومة الطبية الرائعة ؛ذلك الطبيب الإنسان د. محمد سلامة، مدير حميات منوف؛ الذي يُعد مثالاً رائعًا ونموذجًا يحتذى .
إنه رجل بشوش الوجه، لا تفارقه ابتسامته الجميلة التي تبعث الأمل في النفوس،ولا أبالغ إن قلت إن زياراته لنا كانت عاملًا مهمًا وقويًا في رفع معنوياتي الهزيلة. لقد عاملت ذلك الرجل عن قرب ؛لأنه كان كثير المرور لمتابعة أحوال المرضى، إنه طبيب أقل ما يوصف به إنه إنسان بدرجة طبيب، يخشى الله في مرضاه، ويخشى أن يختصمه أحد المرضى أمام ربه يوم تجتمع عند الله الخصوم.
فتحية إجلال وتقدير لشخصه الكريم، وتحية إجلال وتقدير لكل العاملين على تلك المنظومة الطبية الرائعة في مستشفى حميات منوف.