رفض التوطين .. حراك مناهض للمهاجرين غير النظاميين فى ليبيا

كتبت – د. هيام الإبس
بحدود مترامية الأطراف تتاخم فيها عدداً من الدول، وقرب جغرافى يضعُها على تماسّ مباشر مع الضفة الأوروبية، واستقرار سياسى وأمنى حرج، تحولت ليبيا إلى مرفأ مفتوح لتصدير المهاجرين غير النظاميين نحو العالم.
فمع بلوغ أعداد المهاجرين غير النظاميين الواصلين إليها، بغية العبور نحو أوروبا، منذ مطلع العام الحالى نحو 450 ألفا، وفقاً لإحصاءات المنظمة الدولية للهجرة، ومكوث ما يزيد على مليونى مهاجر مقيم -نحو 80% منهم دخلوا البلاد بطرق غير نظامية بحسب تقديرات وزير الداخلية فى حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسى- غدت ظاهرة الهجرة تشكل صدعاً وصُداعًا للأواسط المحلية والأوروبية، وسط ارتفاع غير مسبوق فى الأعداد.
ومؤخرا، تصاعدت مظاهرات فى عديد المدن الليبية، بينها العاصمة طرابلس ومصراتة غرب البلاد، مناهضة لوجود المهاجرين غير النظاميين، وتعالى معها خطاب الكراهية والتحريض ضد الوافدين، رافضين ما وصفوه بمخططات التوطين، ومطالبين بالترحيل الفورى لكل الأجانب القاطنين ليبيا بطرق غير نظامية.
ضد التوطين
وأوضح المكتب الإعلامى لحراك مصراتة ضد التوطين والهجرة -وهو الجهة التى قادت التحركات الشعبية الأخيرة فى المدينة، أن موقفه لا يعبّر عن تحريض ضد المهاجرين وإنما هو دعوة لاحترام القانون وصون سيادة الدولة وكرامة مواطنيها.
وأضاف أن مطالبه تتمثل بتطبيق القوانين الليبية النافذة التى تُجرّم التوطين والهجرة غير النظامية، وإبعاد كل من دخل البلاد أو أقام فيها خارج الأطر القانونية.
القانون يعاقب
ويقول رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، طلال الميهوب، إن ملف الهجرة يمثل تحديا معقداً لليبيا، وأكد أن اللجنة البرلمانية تتابع بجدية تزايد أعداد المهاجرين، مشيراً إلى وجود مراسلات متواصلة مع الدول المعنية لعقد ندوات ولقاءات تشاورية تُفضى إلى مقاربات عملية تحد من التدفقات المتزايدة وتحافظ على أمن البلاد واستقرارها.
وبشأن توطين المهاجرين، شدد المهيوب على أن ليبيا ترفض بشكل قاطع أى محاولات لفرض أو طرح هذا الخيار، وهو ما عززتهُ الخبيرة القانونية وأستاذة القانون بجامعة بنغازى، جازية شعيتير، بتأكيدها أن خيار التوطين فى ليبيا غير مقبول من الناحيتين الدستورية والتشريعية، ولا يُتيح الإطار القانونى الحالى أى مسوغات لتطبيقه، بل إن القانون رقم 24 لسنة 2023 يُجرِّمه.
وبالتالى، فإن أى طرح دولى لخيار توطين المهاجرين سيصطدم بشكل مباشر بالنصوص التشريعية الليبية، التى تضع حماية السيادة الوطنية والحد من الاستيطان كأولوية، وفق شعيتير، التى أشارت إلى أن المادتين 2 و3 من القانون تنصان على:
يعاقب بالحبس وغرامة لا تقل عن ألف دينار كل من دخل البلاد قاصداً التوطن فيها سواء كان دخوله بموجب تأشيرة صحيحة أو غير صحيحة.
يعاقب كل من آوى أو شغل أو سمح لأى مهاجر بالبقاء وهو يعلم أنه قاصد التوطين بالسجن لمدة لا تقل عن 5 سنوات وغرامة لا تزيد على 10 آلاف دينار.
أبعاد سياسية واقتصادية
من جانبه، نفى الحقوقى والباحث فى قضايا المهاجرين وطالبى اللجوء، طارق لملوم، عدم وجود أى مؤشرات من الحكومتين أو الاتحاد الأوروبى لاتخاذ التوطين خيارًا، فـ ليبيا تُصنف دولياً كبلد غير آمن، كما أن هناك قرارات واضحة تمنع إعادة المهاجرين المنقَذين فى البحر إلى أراضيها.
ورأى لملوم، أن التلويح بفكرة التوطين لا يتجاوز كونه فزّاعة سياسية تُستغل لإثارة المخاوف من التغيير الديموجرافى أو تهديد النسيج الاجتماعى، بينما الواقع يثبت أن ليبيا – وفى ظل ما تعيشه- غير مؤهلة لاستيعاب أو دمج أى جماعات مهاجرة على نحو دائم.
وعن إمكانية كبح الهجرة غير النظامية فى ليبيا، يستبعد الحقوقى لملوم ذلك فى الوقت الراهن، نظراً لعدة عقبات أبرزها، وجود جهازين للهجرة غير النظامية فى الشرق والغرب الليبى، إضافة إلى وزارتين للداخلية تعملان فى مسارين متوازيين.
ويوضح لملوم أن هذا الانقسام ترك الساحة مفتوحة أمام شبكات التهريب والاتجار بالبشر التى تستغل ضعف التنسيق والانقسام القائم.
وفيما يتعلق بالبعد الاقتصادى للهجرة فى ليبيا وتأثيرها على سوق العمل، يرى المحلل الاقتصادى محمد درميش أن معظم العمالة التى دخلت البلاد بطرق غير قانونية تتركز فى قطاعات أساسية مثل الزراعة والرعى والنظافة والبناء وغيرها، لكن مساهمتها فى الإنتاج وعجلة التنمية كبيرة وتحتاج فقط إلى حصر وتنظيم وإدماج ضمن السياسات الرسمية.
واعتبر درميش، أن الأثر المالى لهذه العمالة على الاقتصاد الليبى إيجابى بامتياز، إذ تسهم فى تحريك عجلة الإنتاج والاستهلاك، مشيراً إلى أن الحديث عن آثار مالية سلبية مبالغ فيه ويخدم أحيانًا أجندات تهدف إلى تضليل الرأى العام.