أراء وقراءات

ركضٌ إلى مجهول

بقلم: هناء محمد

انطفأت الأنوار كلها من حوله ،ما بقيت غير ظُلمة تشيب لها الولدان. تطايرت تلك الحِلَّة المزدانة التي طالما غمرته سعادة سرعان ما تحولت إلى تعاسة تسبح به كالبرق .تساقط ريشه الهش واحد تلو الأخر و كان يحسبه مديد ما بقى غير نور وحيد تارة يضئ و أخرى ينطفئ تحت قدميه التي تتعثر بطريق كحد السيف.

تريد قدماه الثبوت لكن هيهات، و لا يدري أن ما هو عليه الأن حقيقة حُلم بات يحضنه سنين غراء و تبخر الحُلم سريعًا و ما بقى غير قدمين متعثرتين تحتهما خطاطيف أشكالهم يكاد يعرفها تريد أن تكبه على وجهه تهزي بكلمات ترج قلبه تفتقدها ذاكرته فهم كثيرون، ينظر إلى يمينه لعل شيئ ينقذه فيرى أصوات ثكَّلي تلطم وجهها و تشق الجيوب فينتفض كعصفور تحت لهيب الماء، ينظر إلى يساره فيسمع بكاء أطفال انطفئ بريق حياتهم قبل أن يضئ تمامًا كظلمته التي يتخبط فيها.

يكسوه الخوف، لا يدري ماذا يكون مصيره، ضجيج و أصوات تمر أمام عينيه صور كالأشباح و أخرى كالملائكة كل منهم يلوح له بيده، عرقه يتصبب كأمطار حمضية تلوث هواء ذاكرته، و مازال النور تحت قدميه يُنير وينطفئ و كأنّه أمل يُرتجي. و ثمَّة دعاء يأتي صوته من بعيد يريد أن ينجيه، و صوت أخر يختصم منه، تزداد حيرته لا يعلم إلى أين سوف يكون مصيره، يتساءل هل هذا ما ساقته لي الأقدار أم فجور نفسي التي أسقيتُها من ملذات لا تحِل لي؟.

و فجأةً تظهر أمام عينيه طفلةٌ، تأخذ بيده و تسير به على ضفاف نهر عذب، تقول:  له أنظر في صفحات ذلك النهر،يطلّ برأسه فيرى صورتان له واحدة كرأس الشيطان، يخرج من فمه نار تكاد تحرق النهر كالبركان، و الأخرى كأنّه بدرٌ في ليلة قمرية سمائها صافية تتطاير رائحة المسك من فمه، فبكى وضحك!

_نظرت إليه تلكَ الطفلة و قالت : كلنا نشبه صورتكَ في كثير من الأوقات لكننا علينا الإختيار بينهما ؛ لتسوقنا الأقدار إلى حيث الإختيار.

يفيق من غفوة عميقة على أصوات تلكسات السيارات و قد فُتحت إشارة المرور، يسير بسيارته و هو لا يحسم إلى أين سيذهب!!

هناء محمد
عضو الرابطة العالمية للإبداع والعلوم الإنسانية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.