الفن والثقافة

زائرة المساء المتطفلة

 

 قصة قصيرة بقلم / د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي*

 

كعادتي كل مساء أعود إلى شقتي التمس فيها الراحة بعد عناء عمل يوم كامل وقضاء بعض الوقت بالسمر مع الأصدقاء خارج المنزل وجدتها تجلس على عتبة باب شقتي وكأنها تنشد الراحة والطمأنينة مثلي أوهربا من مضايقات تعرضت لها او ضلت سبيل العودة إلى منزلها وما أن فتحت باب الشقة حتى ولجت إلى الداخل تسبقني بالدخول إليه دون استئذان ومن غير أن تنتظر مني أن اسمح لها بالدخول وكأنها من ساكني المنزل او على معرفة بهم وعلى دراية جيدة به.

دخلت مباشرة إلى غرفة النوم لأبدل ثيابي وارتداء ثياب المنزل فاذا بي أفاجأ بها وهي خلفي تدخل وتجلس على حافة السرير بهدوء غير آبهة بما ابديه نحوها من استغراب بتصرفاتها وكأنها في بيتها متناسية أنها ضيفة فرضت علي نفسها دون سابق إنذار ، ومن دون أن تأتي بأية حركة مثيرة جلست تنظر إلي نظرة متمعنة تستطلع فيها ما ساتصرف معها وكأنها تعرفني منذ أمد بعيد ، كانت جميلة المنظر بيضاء اللون ناعمة رقيقة أنيقة ونظيفة يتدلى من رقبتها عقد جميل باهظ الثمن وأيضا ملامحها ومنظرها لا يوحيان بانها تعيش في الشوارع أو تتسكع بين الأزقة باحثة عن طعام تقتات به أو عن مكان آمن تنام به بعيدا عن المتطفلين والمزعجين بدلالة أناقتها ونظافتها وهدوئها.

تركتها وشانها دون أن أبالي بوجودها ، بدلت ملابسي ثم اتجهت إلى المطبخ كي اعد وجبة العشاء لعدم وجود من يعد لي الطعام فزوجتي مسافرة خارج المدينة وانا وحيد في المنل حاليا لوجودي وحيدا ، وفجأة ومن غير مقدمات وجدتها بجانبي تنظر إلي وكأنها تطلب مني أن تشاركني العشاء وأن اعد لها وجبة طعام أسوة بي فهي وعلى ما يبدو جائعة ولم تذق الطعام طيلة اليوم ، استجبت لإستغاثتها وأعددت وجبتين من الطعام لي ولها وضعت الطعام على المائدة ثم جلست لاتناوله وايضا ومن دون مقدمات وقبل أن ادعوها جلست على الكرسي الذي بجانبي مما اضطرني ان اضع   لها وجبتها أمامها بجانبي وما ان وضعت لها الطعام حتى التهمته بنهم شديد ومن دون اية التفاتة إلي وهذا مما يؤكد مدى الجوع الذي كانت تقاسيه وبعد أن انتهيت من تناول العشاء ورفع الأنية وغسلها توجهت إلى غرفة النوم التمس الهدوء والراحة والإستغراق بالنوم ، وبعد أن تمددت على السرير التحفت غطائي فما كان منها إلا أن أتت وتمددت بجانبي وكانها تغرف بأنها أمنة على نفسها وواثقة بأنني لن اقوم بأي تصرف يغضبها او يثيرها أو احاول أن ازعجها او اعكر صفوها فتجاهلتها ولم أعط لها بالا وأدرت لها ظهري ورحت اغط بالنوم .

وفي الصباح بعد أن استيقظت من النوم لم أجدها في الغرفة أو في أي مكان في المنزل دون أن تترك أي أثر لها ولم ادري كيف خرجت وباب الشقة مغلق ولا يمكنها فتحه ، تجاهلت الأمر ولم أعطه أية أهمية وغادرت الشقة متوجها إلى عملي بعد أن تناولت فنجان قهوتي ، ولدى عودتي بعد الظهر تفاجأت بوجودها بالمنزل متمددة على الأريكة في الصالة جلست بجانبها اسألها كيف خرجت و دخلت فلم تجبني ولم تنبت ببنت شفة بل إكتفت بإغلاق عينها واشاحت بوجهها عني مسترخية على الأريكة طالبة الراحة متجاهلة سوآلي وحتى وجودي ، بدلت ملابسي وذهبت إلى المطبخ لأعد طعام الغداء وانا اسأل نفسي ما الذي دفع بهذه المخلوقة إلى إقتحام شقتي دون سابق معرفة وتتصرف وكأنها في منزلها والذي يدعو إلى الحيرة أكثر كيف ومن أين خرجت ومن ثم عادت ، أهي من الجن أم ماذا حتى بت أخشى وجودها معي بمفردنا وفيما أنا أعد الطعام التفت لأراها تقف بجانبي تنظر إلي بصمت فهمت من نظراتها انها تطلب مني أن أعد وجبة طعام لها أيضا فكان لها ما أرادت وكما في المساء جلست على المقعد بجانب مقعدي بهدوء ، حيث قدمت لها وجبتها من الطعام الذي التهمته بهدوء منقطع النظير على نقيض ما حصل في وجبة العشاء ، وبعد أنتهيت من تناول طعام الغداء واحتساء الشاي دخلت غرفة النوم كعادتي للقيولة وانا اشاهد التلفاز حيث اعتدت ان انام على صوته ، أما هي فجلست أمامه بهدوء تتابعه وتركتني أنعم بنوم هادئ .

وفي المساء خرجت لقضاء السهرة مع الأصدقاء دون أعطي لها بالا وحال عودتي في المساء وجدتها في المنزل ولم ادري أغادرته في غيابي أم لا كما فعلت صباحا ، دخلت المطبخ وأعددت وجبة العشاء لي ولها دون أن تطلبه مني ومن غير ان نتبادل أي حديث سوى الاكتفاء بالنظرات ، وعندما اردت النوم أيضا تمددت على السرير وأدرت لها ظهري ولم أعرها أي اهتمام ورحت في نوم عميق ، وفي الصباح استيقظت باكرا قبل موعد استيقاظي المعتاد ، ومن غير المتوقع وجدتها تنام بجانبي وقد التصقت بظهري والتحفت الغطاء معي دون سابق إستئذان ، غادرت السرير مغتاظا منها فانا لم أعتد على ذلك ولا احب أن ينام بحانبي اي مخلوق كان ورمقتها بنظرات مؤنبا اياها على فعلتها هذه ، ارتديت ملابسي واحتسيت قهوتي وخرجت من المنزل وقد فاتني أن اعد لها وجبة إفطار لها فليس من عادتي ان اتناول طعام الافطار ولم يسبق لي أن واجهت مثل هذا الظرف بزيارة احد وانا بمفردي في المنزل .

وما ان خرجت وانا اغلق الباب وجدت ابنة الجيران الصغيرة المدللة تقف حائرة دامعة العين أمام باب شقتي وكانها فقدت عزيزا سألتها وهي تلقي علي تحية الصباح مابك ياصغيرتي ما الذي يبكيك فقالت ضاعت لولو مني عمو هل شاهدت لولو نظرت اليها مبتسما وانا اضحك في سريرتي على نفسي وانا أقول لها هل اسمها لولو قالت نعم وعلى الفور فتحت باب الشقة وقلت لها نادي عليها وما أن نادت عليها حتى خرجت لولو مسرعة لترتمي في أحضان الفتاة بلهفة شديدة كأم فقدت وليدها ووجدته بعد أن اضناها عناء البحث عنه ، وبادرت الفتاة وسالتتها كيف خرجت لولو من المنزل ولم ينتبه أحد لخروجها من منزلكم وعدم العودة إليه فقالت انهم كانوا في زيارة بيت جدها منذ يومين ويبدو أن لولو خرجت دون أن ينتبه احد لخروجها ولم تستطع الدخول إلى المنزل لعدم وجود احد فيه وهنا سألت نفسي وكيف خرجت من منزلي وعادت اليه والباب مغلق عاودت الدخول الى شقتي متفحصا غرفها وكانت المفاجأة وهي أن نافذة غرفة النوم المطلة على الحديقة كانت مفتوحة خرجت منها لولو قاصدة منزل أصحابها وعندما أيست من وجودهم عادت ادراجها الى شقتي ودخلت من حيث خرجت .

* د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي

كاتب وشاعر سوري 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.