سؤال يحتاج الى تأمل ؟
كتب د/ محمد النجار
قامت والدة زوجتي بتجهيز ابنتها التي أصبحت زوجتي وتكلفت كثيرا في تجهيزها ، واصبحت عاجزة عن سداد ديونها نتيجة ذلك التجهيز !! فهل يجوز اعطاءها زكاتي لها لسداد ديونها المترتبة على تجهيز زوجتي بها عند زواجي منها ؟؟علما بأنها فقيرة وزوجها متوفي؟؟
الجواب :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت أمّ الزوجة فقيرة، أو غارمة، ولا تجد ما تقضي به دينها، فيجوز لزوج ابنتها اعطائها من الزكاة مادامت فقيرة وأهلا للزكاة .
والاصل هو التيسير على اهل الزوجة عند خطبتها اذا كان الخاطب ميسورا ، وعدم تكليفهم مالا يستطيعون ، والمغالاة في التجهيز للزواج والمغالاة في المهور والتباهي بكثرتها غير ممدوح في الإسلام، بل إن قلة المهر هي الأفضل وتعتبر دليلا على بركة الزوجة، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (((أعظم النساء بركة أيسرهن مهرا))).
ونوصي أمثال هذه الأم بعدم التكلف بما لا تطيقه من أجل المظاهر الكاذبة أمام الناس أو لإرضاء زوج الابنة ، فإن الله لم يكلف نفسها إلا وسعها ، كما إن اختيار الزوج والزوجة على اساس من الالتزام بدين الله وسنة رسوله افضل من ماديات الحياة التي نراها في كثير من العائلات التي لا تملك قوت يومها ثم تقوم بتجهيز بناتهن بالألاف ثم تكون النتيجة العجز عن السداد وربما دخولهن السجون. وربما يحدث الطلاق بعد كل هذه المظاهر وتلك الديون وذلك العجز التي تكون نتيجته وخيمة .
كيف كان زواج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فكانت ابنته فاطمة رضي الله عنها احب بناته اليه ، وقد قال عنها صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها أغضبني) رواه البخاري). وفاطمة رضي الله عنها سيدة نساء هذه الأمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لها: (يا فاطمة! ألا ترضَينَ أن تكوني سيدة نساءِ المؤمنين، أو سيدة نساءِ هذه الأمة؟ (رواه البخاري).
فكيف كان مهرها ، وكيف كان جهاز زواجها ؟
مهر فاطمة بنت النبي :
في رواية للنسائي وصححها الألباني أن علياً رضي الله عنه قال: (تزوجت فاطمة رضي الله عنها، فقلت: يا رسول الله! ابْنِ بِي (اسمح لي بالدخول بها)، فقال النبي : إعطها شيئاً قلت: ما عندي من شيء، فقال النبي : فأين دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّة؟، قلتُ: هي عندي، قال: فأعطها إياه) درعك الحطمية: منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع. أي ان مهرها لم يكن نقودا ولا ذهبا ولا فضة أو اساور ، انما كان درعا يساوي القليل من المال لكنه يمثل الرجال الذين يحملون هم دينهم وأمتهم .
جهاز زواج فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم :
لم يكن جهاز فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحب بناته إليه وهي سيدة نساء هذه الامة سوى قطيفة، وقِرْبَة، ووسادة من جلد حشوها ليف أو نبات، فعن علي رضي الله عنه قال: (جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل (قطيفة)، وقِرْبة، ووسادة أدم (جلد) حشوها إذخر (نبات رائحته طيبة) رواه أحمد،
لم يكن اربع غرف وغرفة للطفل الذي ربما لايأتي ، ولم يتم تجهيزها بالأجهزة الفخمة ، وانما كان يتكون من ثلاث :
1- الخميلة : والخَمِيلَةُ: القَطيفَة ، وَهِيَ كُلُّ ثَوْب لَهُ خَمْل مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ .
2- القربة : هي ما يتخذ للسقاء ، ( وهذه لحفظ الماء وتبريده)
3- الوسادة : تعني بلغة العصر : المخدة وهي من جلد محشو بسعف النخيل .
ولعل من أعظم ما يستفاد من ذلك ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الزهد ، حتى إن جهاز فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي سيدة نساء الجنة ، قطيفة لها خمائل ، وإناء ، ووسادة حشوها من أصول سعف النخل ، فرضي الله عنها وأرضاها .
ماهي مكانة فاطمة عند والدها وعند أمة محمد جميعا :
لقد كانت فاطمة رضي الله عنها تعلم أنها بنت سيد المرسلين وخاتم النبيين وسيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك رضيت بالقليل، ولم تطمع في متاع الحياة الدنيا، ولم تطمح نفسها إلى العيش الراغد، بل ضُرب بها المثل في زواجها اليسير المهر، القليل المؤنة.. ولم تكن حياتها في بيت زوجها مُترفة ولا ناعمة بل كانت أقرب إلى التقشف والخشونة
ماذا كانت تعمل في بيت زوجها :
فقد عاشت رضوان الله عليها في بيتها حياة بسيطة متواضعة .. تطحن .. وتعجن خبزها بيديها .. وتدير كافة شؤون بيتها الأخرى، ولا تقصر في حقوق زوجها عليها، وحين تعبت من عمل البيت حتى تأثرت يدها من عمل الرَحَى ..
ألم يكن في استطاعة النبي أن يدعو الله أن يتم تجهيزه ابنته في زواجها أفضل جهاز على وجه الدنيا ؟؟ لكنه القدوة الحسنة لأبناء أمته من النساء والرجال والأزواج والزوجات والابناء والبنات بل وللبشرية أجمع وأراد أن تتعلم أمته أن أساس اختيار الزوج أو اختيار الزوج يكون على مدى الالتزام بدين الله واقامة شعائرة ، وبمدى الصدق والامانة التي يتحلى بها كل منهما ، فالزوج إذا احب زوجته أكرمها ، وإذا بغضها لا يظلمها ولا يهينها ولا يهين اسرتها وعشيرتها .
وما نراه في المحاكم التي تمتلئ بقضايا الطلاق والخلع والخيانة والظلم الذي يقع من جميع الاطراف إلا بسبب المادية التي طغت على حياتنا ، والمظاهر الكاذبة التي ذبحت القيم الاخلاقية والاعراف الاجتماعية المستمدة من دين الله وشريعته وسنة نبيه ، واتخاذ المظاهر والاعراف الجاهلية التي اصبحت معايير حياتنا ، فنسينا الله وتركنا نبيه ، فتاهت خطانا وضللنا الطريق الى الاستقامة والسعادة والطمأنينة وفقدنا ابناءنا وبناتنا واصحت معظم الحياة قاتمة لانرى فيها النور .
اننا في حاجة الى فهم طبيعة الحياة ولماذا خلقنا الله ، وكيف نعيش الحياة في ظل دينه وشريعته وكيف يكون لدينا ابناء وبنات يطيعون الله ورسوله ، وإلا لماذا اصبحت الامة غثاء رغم أنها تمثل ربما اكثر من ربع العالم سكانيا بينما لاتساوي شيئا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا ..