بقلم الفنان/ أمير وهيب
في عالم الحوار والخطاب، كثيرًا ما يحدث ما يعرف بـ”سوء التفاهم” بين طرفين. ومعناه أن ينظر كل طرف إلى موضوع الحوار من منظوره الخاص، بناءً على ما فهمه مسبقًا وشكل عليه قراره وكلامه. وهنا يحدث التعارض، فيتحرك كل طرف في اتجاه معاكس للآخر.
وغالبًا ما يزول سوء التفاهم خلال فترة زمنية قصيرة، خاصة إذا كان بين طرفين تجمعهما حسن النية، كما حدث بين محمود عبد العزيز ومعالي زايد في فيلم “الشقة من حق الزوجة”. أما إذا كانت النية متعمدة للإبقاء على سوء التفاهم، كما في حالة حسين فهمي وطارق الدسوقي في فيلم “العار”، فإن الخلاف يستمر ويتفاقم.

الفرق بين سوء التفاهم وسوء الفهم
هناك أيضًا مصطلح آخر هو “سوء الفهم”، وهو يختلف عن سوء التفاهم. سوء الفهم يحدث من طرف واحد فقط، يتخذ قرارًا بناءً على انطباع سلبي مشحون بالشك وسوء النية، ما يؤدي إلى اعتقادات خاطئة لا أساس لها من الصحة.
أما “عدم الفهم”، فهو عجز حقيقي عن الإدراك، بسبب محدودية في الذكاء أو قصور في القدرة على التحليل والفهم.
حين يتحول الأمر إلى استهبال
في بعض الأحيان، نجد أن هناك من يمارس “سوء التفاهم” أو “سوء الفهم” أو حتى “عدم الفهم” بشكل متعمد، وهو ما يعرف شعبيًا بـ”الاستهبال”.
ويكون هدفه عادة الخبث أو التحايل للوصول إلى غاية معينة، مثل قطع العلاقات، أو إهدار الوقت والجهد والمال، أو إبقاء الوضع الراهن كما هو لخدمة مصالح شخصية.
النتيجة واحدة
سواء كان سوء التفاهم بحسن نية، أو استهبالاً مقصودًا، فإن النتيجة غالبًا واحدة:
-
استمرار المشكلة
-
ردود أفعال غير صحيحة
-
صعوبة التوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف
أمثلة حية على سوء الفهم والخلط الإعلامي
مؤخرًا قرأت بعض النماذج التي تثير تساؤلات حول طبيعة الفهم:
-
أحد الصحفيين تحدث بفخر عن أن سعر “ساندويتش” الشركة الأمريكية الشهيرة في مصر أرخص من سعره في أمريكا، وكأن الشركة لا تدري! متجاهلًا اختلاف المواد الخام، وتكاليف العمالة.
أقول له ببساطة: في أمريكا “ساندويتش الطعمية” (الفلافل) سعره ثلاثة دولارات (ما يعادل أكثر من 150 جنيهًا مصريًا)، وهو مستحيل أن يصل لهذا السعر في مصر. -
صحفيون آخرون يهاجمون ممثلًا بدعوى أنه “يسيء لسمعة مصر”، في حالة من التخبط الذهني غير المبرر، مدعين “الوطنية الزائفة”.
هل هذا يفيد مصر؟
حين يتحدث الإعلام في قضايا لا تتعلق ببناء الإنسان المصري، ولا بناء الدولة أو الوعي الصحيح، بل ينغمس في قضايا سطحية وسجالات فارغة، فإن هذا يعد إهدارًا للوقت والجهد والمال ، مما يضر بمصر وشعبها ؟
اقتراح عملي
أقترح على كل إعلامي شريف ومحترم أن يختار ملفًا أو مشكلة حقيقية، ويبدأ بذكاء في تشخيص الحالة واقتراح الحلول إن كان يمتلك القدرة على ذلك.
أما الاستهبال الإعلامي فهو لا يخدم مصر بأي شكل من الأشكال.
مصر — على كل المستويات — تحتاج إلى خطاب إعلامي مسؤول، سواء كان الاختلاف بحسن نية أو سوء نية، لأن “المحلسة”أو “الاستهبال” لن يضيف لمصر شيئًا، بل سيزيدها عبئًا.
أمير وهيب
فنان تشكيلي وكاتب ومفكر