فجأة توقف هاتفي عن العمل،فقد فرغ من الكهرباء حتى اسودت شاشته،وانقطع صوته.
وعبثا حاولت أن أشحنه في أي مكان قريب فلم أستطع.
نظرت إليه على حاله الصامت،وجثته الهامدة،وسواد شاشته القاتل،وقلت له:
على الرغم من غلاء ثمنك،وتعدد إمكاناتك،وكثرة ما فيك من صور وأسماء ووثائق إلا أن فراغك من بعض شحنات الكهرباء التي لا تساوي جنيها جعلك بلا قيمة…بل بلا حياة!!
غير أنني تذكرت على الفور أن بيننا وبين الهواتف شبه كبير.
فكم يحتاج بعضنا أحيانا إلى شحن بطارية قلبه لساعة واحدة لا أكثر.
ساعة واحدة.
يقرأ فيها ورده،وينطلق في الحياة مبتدأ من عند ربه…فيصلي ضحاه ويتلو أذكاره…حتى إذا ما خرج للناس طوال اليوم لا يفرغ شحنه ولا ينقطع صوته وجهده.
كل من يخرج إلى حياة الناس بلا شحن يتعب ولو كان نبيا.
لذلك كان الخطاب للمزمل صلى الله عليه وسلم أن املأ بطاريتك جيدا بالليل لأنه حسب تعبير الآية:
“إن لك في النهار سبحا طويلا”
والذي سيلقى الناس لا بد وأن يستعين عليهم برب الناس،وإلا فرغ شحنه وتوقف تواصله،وتعطلت ملكاته.
يا أيها المحتضنون للهواتف تعلموا من هواتفكم أن الشحن ولو قليل يسعفك في الموقف الجليل.
وأن قيمة الهاتف فيما يجعله منيرا لا منطفئا.
وأن الهاتف مهما غلا ثمنه معطل القيمة إلا أن يمتلئ نورا فينير!!
اشتكى موسى عليه السلام ألما في بطنه فدله الله على عشب في أرض فذهب إليه وأكل منه فشفيت بطنه.
ثم عاوده الألم بعد حين فذهب إلى العشب وأكل منه فلم تشف بطنه!!
فقال: يا رب، العشب هو العشب لكني شفيت في الأولى ولم أشف في الثانية!!
فقال له سبحانه:
لأنك في المرة الأولى خرجت من عندي إلى العشب فشفيت،وفي الثانية خرجت من عندك إلى العشب فلم تشف بطنك!!
ما أغبانا ونحن نحمل الهواتف سنينا ثم لا نتعلم منها أيسر الحكم:
فالهاتف الذي لا نحسن شحنه يخذلنا أحوج ما نكون إليه…وكذلك نحن…فأحسنوا شحن قلوبكم حتى لا تسودَّ شاشاتكم!!
ويختم الكاتب بقوله “كذلك علمتني الهواتف!!”
من اختيارات الكاتب الصحفي محمد يوسف رزين
مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط