بقلم : محمد ممدوح ابو الفتوح
- بدأت العشر الأوائل من ذي الحجة،وإذا كانت ليلة القدر مجهولة ويحتاج تحريها إلي قيام خمس ليالي كاملة لإدراكها فإن يوم عرفة معلوم لا يحتاج إلي بحث,ومن تركه بعد ذلك دون أن يوفيه حقه فقد ضيع أعظم أيام عمره،فيوم عرفه هو أعظم أيام الله قاطبة.
- وإذا كانت ليلة القدر تتنزل فيها الملائكة,فإن الله ينزل يوم عرفة يباهي بعباده ملائكته بالحجاج الواقفين علي عرفة وبالطائعين عامة يقول:انظروا يا ملائكتي,هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق أشهدكم يا ملائكتى أني قد غفرت لهم.
- والعبادة يوم عرفة أسهل من العبادة ليلة القدر,فيوم عرفة لا يحتاج إلا للذكر,وأن تردد حتي وأنت مستلقي علي فراشك”لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير”.
- أما العبادة في ليلة القدر فهي أصعب وأشق،قيام وذكر ودعاء وقراءة قرآن فهل يفوتنا شرف يوم عرفة “خير يوم طلعت عليه الشمس”.
- القرآن الكريم يمكن أن يضبط حياتنا كلها ، فهو يضبط أصواتنا” وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ”بدلاً من الهياج والصراخ وارتفاع الأصوات بين الزوجين أو الأقارب أو الجيران أو في المواصلات العامة أو في الشارع حتى تحولت بلادنا إلي حالة من الضجيج الفظيع والتلوث السمعي الذي لا حد له ، ترى لو انضبطت أصواتنا بهذه الآية لصار المجتمع كله في سكينة .
- ويضبط حركتنا ومشيتنا ليست الظاهرية فحسب ولكن حركة القلب والعقل”وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ”آه لو انتهي الكبر والغرور والشموخ الكاذب من الأرض .
- ويضبط سمعنا”وَلَا تَجَسَّسُوا”والله لو تركت البشرية التلصص والتجسس على الآخرين لانتهت مآسي كثيرة .
- ويضبط مجالسنا”وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ” ووالله لو ترك المجتمع الغيبة لحلت نصف مشاكله الاجتماعية واختفت الخلافات الزوجية ولتوقف قطار الطلاق الذي يجرى سريعاً .
- ويضبط تصريحاتنا وفتاوى الناس في كل شيء بغير علم ولا هدى “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ”ولو أن كل واحد تحدث فقط في تخصصه وفيما يحسنه لانتهى نصف الجهل ومعظم مآسي العصر .
- ويضبط كلماتنا”وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”الناس كل الناس المسلم والمسيحي واليهودى والشيعي والسني والعسكرى والمدني والبوذى والهندوسي والليبرالي والاشتراكي وأرباب كل الأديان والجنسيات ، القرآن يأمرنا قولوا لها حسناً,لتطيب الحياة للجميع وبالجميع,وتتزين الدنيا بالكلمة الطيبة فأكتر مشاكل كل الدنيا وحروبها وصراعاتها تبدأ بكلمة نابية فظة حربية تكفيرية استعلائية عدائية عنصرية.
- ويضبط طعامنا وشرابنا بالوسطية”وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُواۚ” ولو توقفت البشرية عن الإسراف ما بقي جائع ولا يتيم ولا فقير علي وجه الأرض,فطعام الأرض يكفي الجميع ولكن سرف البعض وجشعهم هو الذى أضاع اليتيم والفقير والمحروم.
- وصدق علي بن أبي طالب في قولته الشهيرة “ما جاع جائع إلا لأن غنياً حرمه من حقه من الزكاة”وصدق ابن القيم حين يقول:” عاش الناس علي مرادهم فهلكوا ولو أنهم عاشوا علي مراد الله وشرعه لنجوا ونجحوا”.
- القرآن ورسالات الرسل جاءت لتكون حياة الناس أكثر سعادة وعدلاً وإحساناً ورفقاً ورحمة ، وكل من دحاد عن رسالات السماء تعب في الداريين وأتعب من حوله وشقي وأشقي من حوله .