السودان

صراع سياسى وتوترات إقليمية تهدد استقرار دولة جنوب السودان

كتبت: د.هيام الإبس

 

شهدت العاصمة الجنوب سودانية جوبا اشتباكات مسلحة أثارت تساؤلات حول استقرار جنوب السودان، وسط صراعات سياسية واقتصادية متفاقمة، وتأثيرات إقليمية متزايدة على حكومة سلفاكير وخطط الانتخابات المقبلة..
أعادت أحداث إطلاق النار بحى المطار بالعاصمة الجنوب سودانية جوبا للأذهان بداية الحرب الأهلية التى اندلعت بسبب اشتباكات مماثلة فى القصر الرئاسى مما دفع المواطنين والعاملين بالمؤسسات الأممية للتساؤل حول احتمالية تكرارها أو استمرارها وسط أجواء سياسية محتقنة إثر تأجيل الانتخابات المقرر انعقادها فى ديسمبر المقبل.

فى 21 نوفمبر من الشهر الحالى، بدأت الأحداث بإطلاق نار كثيف استمر ساعة كاملة حول مقر  رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور، بحى قريب من مطار جوبا.

ووفق مصادرجنوبية، فإن القوات التابعة للدولة ذهبت لتطلب من كور المقيم فى منزله تحت الإقامة الجبرية الانتقال إلى حى الجبل لأن وجوده بحراسات أمنية كبيرة أقلق سكان الحى الذى يقطنه الدبلوماسيين والمنظمات الأممية.

فوراً، أدى هذا الطلب إلى حدوث اشتباك بالأسلحة النارية راح ضحيته أربعة أفراد من بينهم أحد أقرباء مدير المخابرات السابق. ووفق المصدر فإن تدخلا من رئيس الاستخبارات أدى إلى وقف الاشتباك ولاحقاً زاره فى منزله وأقنعه بالانتقال، وأكدت المصادر عدم وجود إذن بالاشتباك.

حيث أدت الاشتباكات المسلحة نتيجة لهذه الواقعة إلى انتشار الجيش فى الطرقات بهدف التأمين وتطمين المواطنين قبل أن يتم سحبه، ويعود الهدوء الحذر للمدينة.

صراع سياسى

وفى أكتوبر الماضى، أقال الرئيس سلفاكير ميارديت رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور، بينما كان خارج البلاد وفقاً للمحلل السياسي، محمد لطيف وعينه فى منصب حاكم واراب وفور وصوله مطار جوبا تمت إقالته مرة أخرى من منصبه.

وذكرت مصادر مطلعة حينها: أنه تم تعيين أكيج تونج الذي تولى في السابق مناصب حاكم واراب، ووكيل وزارة الدفاع خلفاً لكور.

و يشبه ما حدث مع رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية في دولة جنوب السودان، ما حدث مع مدير المخابرات السودانى الأسبق صلاح قوش الذى كان قد أقيل بعد صراعات سياسية داخل حزب المؤتمر الوطنى.

وأفاد مصدر بأن صراعات داخل قيادات الحركة الشعبية أدت إلى إقالة كور الذى تولى هذا المنصب منذ انفصال الجنوب فى العام 2011.

مصادر جنوبية: شائعات عن تخطيط مدير المخابرات للانقلاب على سلفاكير تسببت فى إقالته ووضعه تحت الإقامة الجبرية

وأكد المصدر تصاعد نفوذ مدير المخابرات المقال ولاحقاً سرت شائعات تفيد بعزمه القيام بانقلاب عسكرى ضد الرئيس سلفاكير، الأمر الذى جعله يسارع بتعيين حليف له.

من جانبه قال المحلل السياسى محمد لطيف، إن الحركة الشعبية أقصت عدداً من الرموز منذ تأسيس الدولة وهو الأمر الذى أثر بشكل كبير على أداء الحزب، وعلى أداء الكوادر المتمرسة التى تدربت على يد الجنرال الراحل جون جارانج طوال سنوات النضال، وفى المقابل بقيت قلة منهم، بينما ظهرت كوادر جديدة حول الرئيس فرضت سيطرتها.

وأشار المحلل السياسى إلى وجود صراعات بين هذه الكوادر أوصلت الدولة إلى المشهد الحالى.

وأوضح لطيف بأن الأحداث الأخيرة تكشف عن تعقيدات وصراعات يمكن وصفها بالإثنية أو السياسية أو الشخصية “لكن المشهد بأكمله يعكس شكلاً من أشكال عدم استقرار الدولة وعدم القدرة على إدارتها”.

وتشهد دولة جنوب السودان توترات سياسية متصاعدة بسبب قرار تأجيل الانتخابات، وسط أزمة اقتصادية خانقة تفاقمت نتيجة الحرب المشتعلة فى السودان منذ منتصف أبريل 2023، وقد أثر هذا الصراع بشكل كبير على تدفق النفط، الذى يُعد المورد الرئيسى لاقتصاد الجنوب، مما أدى إلى تدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكى.

توترات بسبب النفط

وقال المحلل السياسى محمد لطيف إن التدفقات النفطية فى بداية الحرب كانت مستمرة، لكن قيادة الدعم السريع فى مرحلة ما وضعت جوبا أمام ثلاثة خيارات؛ إما أن توزع رسوم العبور مناصفة بينه وبين حكومة بورتسودان، أو يتم تجميد هذه الأموال، وتوضع فى حساب منفصل برعاية دولية مثلما حدث فى العراق حتى انجلاء الأزمة والخيار الثالث هو إيقاف الضخ.

محمد لطيف: أتوقع أزمة وشيكة بين الدعم السريع وجوبا

وأضاف:جرت مفاوضات مطولة وصلت فى نهاية الأمر إلى حصص بين حكومة السودان وبين الدعم السريع تستأنف بناء عليها عمليات الضخ.

يتوقع لطيف ظهور أزمة جديدة، حيث قد يجد الدعم السريع نفسه مضطراً لتحمل عبء تأمين هذا المسار، مما قد يدفعه إلى طرح مطالب إضافية، كما كشف لطيف عن أزمة كامنة أخرى بين جوبا وحميدتى تتعلق بمديونية لم تُسدّد بعد.

دفاع عن الأوضاع

“نشعر بذعر” هكذا قال أحد المواطنين، حول الأوضاع فى مدينة جوبا عقب حادثة إطلاق النار.
لكن رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، الفصيل الذى بقى فى جنوب السودان، محمد مصطفى محمد فضل، نفى بشدة وجود أى توترات، وأوضح أن المدينة تشهد استقراراً وأن المواطنين يمارسون أنشطتهم اليومية بصورة طبيعية: وأردف: “ليس هناك ما يقلق”

وقال فى تصريح له، إن الدولة اقتربت من توقيع اتفاق سلام مع المجموعات المعارضة المتبقية فى العاصمة الكينية نيروبى”. وأضاف:”دولة جنوب السودان منذ توقيع اتفاقية السلام المنشطة أصبحت هادئة ومستقرة أكثر من أى وقت مضى”.

لكن مصدراً مطلعاً في جوبا أشار إلى وجود تباينات بين بعض الحركات التى تشارك فى الحكومة متوقعاً إطاحتها بنائب الرئيس حسين عبد الباقى أكول أبرز قيادات الحركة الوطنية بقيادة كاستلو جارانج، والذي يشغل حالياً منصب نائب الرئيس لشؤون الخدمات، فيما كشفت مصادر متطابقة عن مطالبة أحد زعماء الحركات المعارضة تأجيل مفاوضات نيروبى بسبب أن قواته تقاتل حالياً إلى جانب الدعم السريع.

تدخلات إقليمية

تعيش الدولة الحديثة فى محيط قلق؛ أبرز ما فيه حرب السودان التى أثرت فى جوبا اقتصادياً مع وصول آلاف اللاجئين السودانيين فيما عادت أعداداً هائلة من الجنوبيين الذين لجأوا للسودان إبان الحرب الأهلية.

من جهة ثانية تعيش دول المنطقة توترات تمثلت فى التحالف المصرى الإريترى الصومالى مقابل التحالف الإثيوبى مع أرض الصومال وحرباً باردة تدور حول المياه.

من جهته قطع رئيس الحركة الشعبية شمال بقدرة حكومة الجنوب على السيطرة على علاقاتها الخارجية: وقال: “لن تستطيع أى جهة إقليمية أو دولية التدخل فى الشؤون الداخلية للجنوب، وتحقق تأثيرٱ فى الأمن القومى للدولة”.

رئيس الحركة الشعبية شمال: لن تستطيع أى جهة إقليمية أو دولية التأثير فى الأمن القومى للدولة.

اختلف محمد لطيف مع ما ذهب إليه رئيس الحركة الشعبية شمال لافتاً إلى وجود تأثيرات كبيرة على جوبا من المحيط الإقليمى يؤثر فى استقرارها وسياساتها من جهة كونها دولة حديثة ونامية.

وقال لطيف إن أحد التحولات الكبيرة فى الفترة الأخيرة تمثلت فى موافقة جنوب السودان على اتفاقية “عنتيبى” التى تعتبر أن اتفاقيات 1929 و1959 حول المياه تهضم حقوق دول المنبع لصالح مصر والسودان، وتصادر حقوقهم فى التحكم فى مواردهم.

أشار لطيف إلى حالة التردد التى تعيشها جوبا بين القبول والرفض، نظراً لعلاقاتها القوية مع القاهرة التى قدمت لها مساعدات كبيرة، مما أثر على موقفها من الاتفاقية التى كانت مشروطة بموافقة جنوب السودان.

وأوضح أن “جوبا التزمت بمصالحها كدولة جديدة ذات موارد محدودة، ما يجعل لها الحق فى اتخاذ قرارات تخدم هذه المصالح”.

وأضاف أن اتفاقية عنتيبى تمثل فرصة مهمة لإعادة توزيع الحصص المائية بين الدول الموقعة، مما يوفر موارد مائية ملحّة تحتاجها جنوب السودان بشكل خاص لدعم البنية التحتية، والقطاعات الزراعية والحيوانية الحيوية.
واختتم محمد لطيف حديثه بالقول إن الأزمات الداخلية والخارجية تتشابك وتلقى بظلالها على حكومة جنوب السودان، مع تزايد الأصوات الداعية إلى إجراء تغيير جذرى فى القيادة، ويرى كثيرون أن الوقت قد حان لإفساح المجال لدماء جديدة تضخ الحيوية فى شرايين السلطة، سواء كان ذلك بوجود الرئيس الحالى أو غيابه، من أجل تحقيق تطلعات الاستقلال وبناء الدولة.

صراع سياسى وتوترات إقليمية تهدد استقرار دولة جنوب السودان 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.