ضرب النساء بين تحريف المبطلين وأقوال المهتدين
أعدها للنشر:هاني حسبو.
قالوا الضرب فى سورة النساء (آية القوامة ) معناه الابتعاد والهجر
على اعتبار أن الضرب في اللغة معناه الابتعاد
وهذا الكلام خطأ من عدة أوجه :
أًولا : بدايةً أن التفسير للقرآن لا يكون باللغة مطلقا ،إنما بالمعنى الشرعى أولاً
فالصلاة في اللغة تعني الدعاء
و ليس هذا هو المعنى الشرعى لها ،
فقوله تعالى ( أقم الصلاة)
فإقامة الصلاة ليس معناها الدعاء إنما العبادة المخصوصة في وقت مخصوص بهيئة مخصوصة،المعروفة بين المسلمين الآن وهي الصلوات الخمس ، و ليس مقصود الآية هنا الدعاء كما في معاجم اللغة ،
فتفسير القرآن بدايةً لا يكون بالمعنى اللغوي الذي يريده كل إنسان ،
و إنما المعنى الشرعى الذي وضحه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالمقصود من الكلام .
ذلك أن الشرع استعمل ألفاظ في معانى معينة وغيرّها .
ثانيا : اللفظ في اللغة له استعمالات متفاوتة ،
فلفظ ( العين ) مثلا يدل على دلالات مختلفة في سياقات مختلفة ،
عين الماء ،وعين الإنسان ،وعين الحقيقة ،
و استعمال لفظ ما في موضع معين له سياقه ،
هو أمر مهم لفهم المقصود ،
فلم يقل أحدٌ مثلا في تفسير ( فيها عينٌ جارية ) أنها عين الانسان التى بها يبصر
وإنما المقصود في الآية السابقة عيون الماء التى ينفجر منها الماء في غير أخدود ،
فلفظ (العين) له سياقه وسباقه و لحاقه ،
وكذلك لفظ( الضرب) فلو كان له معنى معين ،فإن المعنى المقصود على حسب سياقه و فهمه يكون من خلال فهم السياق العام للكلام .
ثالثا: معارضة الآيات بالذوق العام و الرأي و الرد على فلان ،والتعليل أن هذا ردا على الملحدين، ليس صحيح
فإلغاء معاني الدين أو إخراجها من سياقها ليس رداً على الملحدين ولا دفاعا عن الدين كما يزعم من أنكر معنى الضرب في تفسير آية النساء
و الذي يحاول إلغاء الآيات و التشريع لموافقة هوى الناس هو نفسه يكون بهذا التحريف سبباً للإلحاد ،فليس عندنا في ديننا شئ يستحى منه
فالله عزوجل عظيم جليل و تشريعاته عظيمة .
رابعا : بخصوص الضرب في اللغة
فإن أصل الضرب في اللغة هو إيقاع الشئ على الشئ ( معجم مقاييس اللغة لابن فارس ) .
وهو متفاوت في دوافعه ووسائله و أهدافه و طرقه
فضرب العدو ( فاضربوا فوق الأعناق )
( فقلنا اضربوه ببعضها ) ( فراغ عليهم ضربا باليمين ) ( يضربون وجوهم و أدبارهم )
يختلف عن ضرب الرجل لابنه ( اضربوهم عليها لعشر )
يختلف عن ضرب الرجل الحنون لزوجته ( لكز النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة لكزة)
يختلف عن ضرب الطفل الصغير الذي لا يعقل لأبيه تدللاً عليه
فضرب المحب الحريص يختلف عن ضرب العدو
و استعير لفظ الضرب لمعنى الضرب في الارض ( أي الذهاب فيها ) ( فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا) ( لا يستطيعون ضرباً في الأرض )
و يستعمل لفظ الضرب في اللغة في معنى الالتحاف ( ضربت عليهم الذلة ) أي التحفتهم
وكما في قوله تعالى :( ضُربت عليهم المسكنة ) ومنها قوله تعالى ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ))
ويستعمل في معنى الطّرْق كما المطرقة
و كما في ضرب الدراهم ومنها الضريبة
و(ضرب الخيمة) و ضرب الفحل
و استعمل في الخلط كما (ضرب اللبن) بعضه على بعض أي خلطه
و يستعمل لفظ الضرب مع الأمثال
(ضرب الله مثلا ) ( واضرب لهم مثلا )
ضرب مثل أي ِذكرُ شئ أثرُهُ يظهرُ في غيره
و ضرب الناي و العود والبوق يكون بالأنفاس .
فالضرب في اللغة له معانى متفاوتة على حسب السياق و الكلام و الاستعمال و هل هو حقيقة أم مجاز .
خامساً:
تفسير الضرب في آية النساء التى تتكلم عن قيام الرجال على حماية المرأة و مصالحها و الدفاع عنها و الانفاق عليها
في قوله تعالى :
((ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا (٣٤)
النساء [34-34]
والنشوز في الشرع لا يتعلق بالمرأة فقط بل المرأة و الرجل
وهو هنا في هذه الآية يتكلم عن نشوز المرأة وهو اظهار الكراهية و التكبر على الزوج وعصيانه بسبب ربما أنها تحب رجل آخر أو لأنها سيئة الخلق فتتطاول على زوجها بالتكبر أو السب أو الاعتداء ،أو لأنه سئ الخلق معها و ما أكثر ذلك فتنشز
فتوضح الآية طرق التعامل مع الناشز التى تعتدى على حق زوجها
فوضحت الآية عدة اعتبارات في معاملة المرأة الناشز العاصية لزوجها متعمدة ذلك، المتكبرة عليه :
الأول : طرق المعاملة الحريصة مع الناشز وهي ثلاث.
الثاني : الهدف الذي عنده تتوقف الوسائل الاصلاحية ( فإن أطعنكم ).
الثالث: لا تستعملوا هذه الوسائل في غير محلها و لا تعتدوا و لا تتلمسوا هذا بأي سبيل يحولكم إلى بغاة ( لا تبغوا عليهن سبيلا) .
الرابع : تهديد أن الله عزوجل سبحانه هو العلى الكبير فلا يستكبر أحد و لا يستعلى أحد من الأزواج ،بل تواضعوا و لا تعتدوا ،لأن من استعمل الأوامر في غير محلها فإنه يتعرض للعقوبة .
وبدأت الآية في تدرج المعاملة بين الرجل والمرأة الناشر و انتهت بالتهديد للرجل ألا يستعمل الأمر الشرعى ليتكبر و يستعلى .
وكان التدريج في إصلاح المرأة الناشز التى تعصى زوجها في المعروف بالتكبر عليه
بالموعظة الحسنة و هجر الفراش و الضرب الحريص حتى تكف عن النشوز وهذا للحفاظ على الأسرة ،
وقد حاول بعضهم تفسير معنى الضرب في الاية بالهجر ،
وهو ما لا معنى له ،وهو خطأ .
فليس معنى ( فاضربوهن ) هو الهجر ،
فان الآية ذكرت طرقا و أنماط تدريجية لها ضوابط و سياق في تأديب الناشز التى تظهر التكبر و الكراهية لزوجها ،
فذكرت الآية طرق للتعامل مع الناشز سيئة الخلق قبل طلاقها :
أولاً الموعظة ،
ثم الهجر فى المضجع ،
ثم الضرب ،
ولو كان معنى الضرب هنا هو الهجر ،فتكون الاية تكرار و كأن المعنى ( عظوهن و اهجروهن في المضاجع. و اهجروهن ))
فالهجر في المضجع أحد معانيه الابتعاد و ترك الكلام في المضجع،و هو المأذون فيه فقط أن يكون للهجر في المضجع فقط دون مخاصمة أو ظلم ،ولو كان معنى اضربوهن أي اهجروهن لكان تكرار .
ثم إن الهجر العام يزيد الفجوة بين الزوجين و لا يحل المشكلة ،و قد حد الشرع الكريم له حدود في العموم ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه،فوق ثلاث ) والزوجان مخاطبان بالعموم في عموم الحياة ولكن هناك حالات مخصوصة يجوز فيها الهجر المخصوص للإصلاح
و حدّه المخصوص في الزواج عند استحكام الفجوة قيل ألا يزيد على شهر و قيل حتى حد الإيلاء
وهو موجود في حكم الايلاء وله ضوابط ،
( لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٢٢٦)
البقرة [226]
فحكم الإيلاءإذا كان هناك أمر بين الزوجين واحتاجوا إلى مراجعة لأنفسهم وهما مازالوا في حياتهم يختلف عن طرق مراجعة الناشز
(الإيلاء:هو أن يحلف الرجل ألا يقرب زوجته و لا يجامعها ،وهذا الإيلاء له حدّ ،على الرجل بعده أن يأخذ قراره إما أن يراجعها أو يطلقها )
الإيلاء يختلف عن النشوز ،
وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نساءه شهرا ولم تنشز زوجاته عليه بل كلهن كن طائعات لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم لكنهن حملتهن الغيرة عليه على بعض أشياء .فآلى منهن شهرا ثم راجعهن.
وليس هو المقصود في الآية
✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻
،و الشرع ندب إلى الحفاظ على الأسرة وحسن معاملة الرجل لزوجته
قال النبي صلى الله عليه وسلم
(خيركم خيركم لنساءه )
وندب إلى حسن العشرةمعهن
فقال صلى الله عليه وسلم (حسن العهد من الإيمان )
وجعل إعطاءها حقها و مداعبتها ثواب
وقال صلى الله عليه وسلم ( في بُضع أحدكم صدقة )
وندب إلى حسن نفقة الرجال على النساء وجعلهن أولويات الإنفاق و حاجتهن أولى في النفقة
قال النبي صلى الله عليه وسلم
( أفضل درهم تنفقه على عيالك )
وقال صلى الله عليه وسلم ( إبدأ بمن تعول)
فجعل النفقة عليهن من أعظم الأولويات
و ندب إلى إطعامها في فمها
( اللقمة تضعها في فم أمرأتك صدقة )
و أمر الصبر عليهن
( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلق رضى منه آخر )
و كان صلى الله عليه وسلم يغتسل مع زوجته في إناء واحد .
وهذا لا شك من حسن العشرة والقرب بينهم .
وقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم على زوجاته فصبر على أم المؤمنين لما كسرت الصحفة و عالج الأمر بابتسامة و التماس العذر
و صبر على حدة كانت في أم المؤمنين زينب بنت جحش
و صبر على دعوة صفية بنت حيي بن أخطب و وأكرمها أيما إكرام
فندب على الصبر على الزوجات .
✍🏻✍🏻✍🏻
والآية توضح إذا نشزت المرأة و تكبرت و تطاولت على زوجها و أظهرت كلمات جارحة له و لأهله وأظهرت بغضه متعمدة ،
فإنها يؤدبها وفق التدريج الشرعى حرصاً على الزوجة و الأسرة أو ليطلقها
وليس المقصود هنا بالضرب هو كسر العظام أو الانتقام أو ضرب العبيد كما يظنه البعض فينفى المعنى لصورة ذهنية في دماغه
و قد لكز النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة في صدرها لما تتبعته في جوف الليل وهو في معنى الضرب لكنها لكزة حنون حريص على زوجته و أسرته ،فأمر الأسرة يحتاج إلى سياسة ،والأمر الشرعى يحتاج أن يُفهم من خلال الشرع العام
وكذلك ليس المقصود بالآية أن هذا هو السلوك العام في كل موقف اختلف فيه الزوجان
(فلا يخلو بيت من مغاضبة و نوع اختلاف)
وقد ندب الشرع إلى العفو ولكن إذا تعمدت المرأة الاعتداء و كان هذا مظنّة ضياع البيت وفساده فإن الأمر هنا يحتاج إلى وقفة ،
يقول بن عاشور :
ومعنى {تخافون نشوزهن} تخافون عواقبه السيّئة.
فالمعنى أنّه قد حصل النشوز مع مخائل قصد العصيان والتصميم عليه لا مطلق المغاضبة أو عدم الامتثال، فإنّ ذلك قلّما يخلو عنه حال الزوجين،
لأنّ المغاضبة والتعاصي يعرضان للنساء والرجال، ويزولان،
وبذلك يبقى معنى الخوف على حقيقته من توقّع حصول ما يضرّ،
ويكون الأمر بالوعظ والهجر والضرب مراتبَ بمقدار الخوف من هذا النشوز والتباسه بالعدوان وسوء النية.
ويقول بن الجوزي
قال ابن الجوزى :
فالوعظ عند خوف النشوز،
والهجر عند ظهور النشوز،
والضرب عند تكرّره، واللجاج فيه.
ولا يجوز الضرب عند ابتداء النشوز، قال القاضي أبو يعلى: وعلى هذا مذهب أحمد. وقال الشافعي: يجوز ضربها في ابتداء النشوز.]]انتهى كلامه .
و المقصود هنا هو إباحة الضرب إذا كان هو الوسيلة النافعة وله ضوابط كمرحلة من المراحل للتأديب فإن عادت ،
وإلا فليحكم بينهما حكم من أهله وحكم من أهلها وإلا فليطلقها ،
وقد حرّم الله عزوجل أخذ مهر المرأة و منعها حقوقها في حال طلاقها .
وقد ندب الشرع للعفو في كل الحقوق ،حتى في الدماء
قال تعالى : ( فمن عُفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف )
فكيف يأمر الرجل بالعفو في الدماء ثم يأمره بالانتقام من خطأ زوجته و أم أولاده ،
فالآيات ينبغى أن تُفهم في سياقها العام وفق مقتضى الشرع العام .
فالضرب المذكور في الآية هو ليس انتقام و لا تجريح و لا إهانة بل ضرب تأديب حريص حنون
فالضرب له ضوابط وضحها الشرع
أن لا يكسر عظماً و لا يكون مبرحاً و لا يكون انتقاماً
و قد فسره بن عباس حبر الأمة و ترجمان القرآن
وقد قال الله عزوجل عن أيوب عليه السلام
لمًا حلف أن يعاقب زوجته
( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به و لا تحنث)
الضِّغْث فقال الفراء: هو كُلُّ ما جمعتَه من شيءٍ مثل الحِزْمة الرَّطْبة
قال: وما قام على ساق واستطال ثم جمعتَه فهو ضِغْث.
قال المفسرون: فجمع لها مائة عود قيل مائة سنبلة فضربها بها ضربةً واحدةً ولم يَحْنَثْ في يمنيه.
وهل ذلك خاصٌّ له، أم لا؟
فيه قولان:
أحدهما: أنه عامٌّ وبه قال ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح [وابن أبي ليلى].
والثاني: أنه خاصٌّ لأيوب، قاله مجاهد.
و التعامل مع ألفاظ الشرع الواضحة بهذا السفة على سبيل الذوق و محاولة إرضاء البعض يؤدي إلى تغيير الشرع على أذواق الملاحدة و من يرد عليهم ،
فالشرع أعظم من ذلك و أجّل
و قد حرّم الله عزوجل أن نتكلم عليه بغير علم .
منقول من صفحة الدكتور أحمد سيف الاسلام على فيسبوك.