الفن والثقافة

عائشة التيمورية .. شاعرة سبقت زمانها

 

هي الشاعرة الأديبة الكاتبة التي سبقت زمانها، والتي كانت أعجوبة في بيانها، إنها امرأة خلدها البيان، إنها السيدة عائشة عصمت بنت إسماعيل باشا ابن محمد كاشف تيمور، واشتهرت بعائشة التيمورية، وهي أخت العلامة المحقق أحمد تيمور، وعمة رائد الأقصوصة العربية ابنه محمد تيمور، وأخيه كبير القصصيين محمود تيمور.

ولدت عائشة التيمورية سنة 1256هـ= 1840م، ونشأت في أسرة تركية غنية فتعلمت القراءة والكتابة في القصر على طريقة بنات الأكابر، فتنبهت في نفسها الرغبة في المطالعة والإشراف على مجالس العلم في القصر، فأخذت النحو والعروض عن فاطمة الأزهرية وستيتة الطبلاوية، وأخذت الصرف والفارسية على علي خليل رجائي، وأخذت القرآن والخط والفقه على إبراهيم تونسي، وحفظت عشرات الدواوين، وطالعت كتب الأدب حتى صارت تنظم الشعر بالعربية والفارسية والتركية ولها دواوين فيها جميعًا.

فاقت عائشة التيمورية أدباء عصرها، وسبقت في مضمار الرثاء العاطفي أدباء العصور كلها، وكانت واحدة جمعت عجيبتين اثنين:

أولهما: أنها مجودة، والمجودات في الشعر من النساء أقل من القليل، لا في العربية وحدها، بل في كل ألسنة العالم.

والثانية: أنها نشأت في عصر النساء فيه كن أسيرات الجهل، وضيق الفكر واستبداد الرجل، فكان من أعجب العجاب أن تنشأ فيه شاعرة مجودة وكاتبة بليغة.

لم يفوق عائشة التيمورية من شعراء عصرها إلا البارودي، والساعاتي، ولها كتابة منها المسجع، ومنها المرسل، ومنها البليغ، وهي أول من دعا إلى تعليم المرأة، ولها في ذلك مقالات وأشعار، وكانت تحبّذ الحجاب، وترى أنه لا يمنع من العلم والأدب، ولها قصيدة مشهورة في ذلك:

بيد العفاف أصون عز حجابي … وبعصمتي أسمو على أترابي

وبفكرة وقادة وقريحة … نقادة قد كملت آدابي

ما ضرني من أدبي وحسن تعلمي … إلا بكوني زهرة الألبابِ

ما ساءني خدري وعقد عصابتي … وطراز ثوبي واعتزاز رحابي

ما عاقني خجلي عن العليا ولا … سدل الخمار بلمتي ونقابي

عاشت عائشة التيمورية في سعة من العيش، وربيت في العز والدلال، ولكن الدهر رماها بالنكبة التي تصدع قلوب الأبطال من الرجال، وأصابها بما لم تطق له احتمالًا، كانت لها بنت بلغت ثماني عشرة سنة وتزوجت، فما مر على عُرسها شهر حتى أصابها مرض مفاجئ فماتت.

وروعت عائشة الصدمة وشهدتها، ولم تستطع التصبر، ونسيت كل شيء إلا ابنتها، وتركت كل شيء إلا الانقطاع لرثائها، ولبثت على ذلك سبع سنين كوامل قالت فيها قصائد تبكي الصخر وتحرك الجماد، وأثر طول البكاء في عينيها فلم تعد تبصر، ثم ألهمها الله الصبر بعد سبع سنين، وشُفي بصرها، ولكنها لم تنسى هذه النكبة أبدًا، وهاكم أبياتًا من قصيدة في رثاء ابنتها تقول فيها:

بنتاه يا كبدي ولوعة مهجتي … قد زال صفو شأنه التكدير

والله لا أسلو التلاوة والدعا … ما غردت فوق الغصون طيور

كلا ولا أنسى زفير توجعي … والقد منك لدى الثرى مدثور

إني ألفت الحزن حتى أنني … لو غاب عني ساءني التأخير

قد كنت لا أرضى التباعد برهة … كيف التصبر والبعاد دهور

أبكيك حتى نلتقي في جنة … برياض خلد زينتها الحور

توفيت عائشة التيمورية في سنة 1320هـ= 1902م، ولها من الكتب مرآة التأمل في الأمور، ونتائج الأحوال في الأقوال والأفعال في الأدب، وحلية الطراز وهو ديوان شعرها العربي، وكشوفة وهو ديوان شعرها التركي.

الاسانيد

الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002م، 3/ 240، 241، والشيخ علي الطنطاوي: رجال من التاريخ، دار البشير، مصر، الطبعة الأولى، 1418هـ= 1998م، 1/ 167- 173.

من اختيارات خبير التراث الدكتور يسري مصطفى 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.