أحد قيادات اتحاد الصناعات المصرية أطلق عبارة كم هي بليغة ومعبرة.. وكم هي خطيرة.. لو تدارسها الوطن وتفحصها وتأملها ثم حولهاإلي سلوك حكومي يمارس علي جميع الأصعدة الوظيفية فيأتي الحصاد بأن الوقاية خير من العلاج.
العبارة “مصر غسالة كبيرة للأموال” أطلقها محمد السويدي رئيس اتحاد الصناعات وفسرها بأن حجم الاقتصاد غير الرسمي كبير وقد تغلغل في كثير من الأنشطة الاقتصادية مما جعل حجم عمليات غسل الأموال في مصر ضخمة الأمر الذي يؤدي إلي مزيد من حالات الفساد وعمليات تمويل الارهاب.
وهنا أحب أن أشير مجدداً إلي انني قد نوهت عبر هذه المساحة منذ سنوات إلي عمليات غسل الأموال في مصر والمهربة إليها مما ينتج عنه تداول أموال مجهولة المصدر ومتضخمة للغاية ومرتبطة بنشاطات غير مشروعة كالفساد الإداري والرشوة والاختلاسات وتجارة المخدرات والرقيق الأبيض وهو ما يجعل هذه الأموال تتغلغل في المؤسسات النقدية مما يزيد من خطورة هذه الأموال المغسولة ومجهولة المصدر.
المدقق لحالة السوق المصري يلحظ انه يعاني حالة من العشوائية في تداول الجنيه مع غياب الإجراءات الجادة والصارمة للمواجهة لهذه العشوائية ولإيجاد حالة من التنظيم تبدأ من حالات نقل الأموال من بنك لآخر دون التحري حول هذه التحويلات محل الشك وهنا يأتي دور وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي الذي يجب أن يصدر تعليماته إلي البنوك التابعة له بتتبع هذه التحويلات من حيث هوية صاحب التحويل ونشاطه وحجم أعماله حتي لا يتمكن هذا المال المتولد عن حالات الغسل إلي عمليات غير مشروعة ومن ثم اكتسابها صفة الشرعية وتداولها في الأسواق وينتج عنها ما يسمي بالاقتصاد غير الرسمي الذي يهدد أمن واستقرار أي وطن كما يؤثر علي نمو الجريمة المنظمة وخلق بؤر اقتصادية غير مشروعة من شأنها التأثير السلبي علي الاقتصاد القومي لأي وطن يرغب في التنمية والازدهار.
وهنا علي المسئولين أن يتدارسوا ما صرح به رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية محمد البهي الذي أشار إلي أن حجم الاقتصاد غير الرسمي قد تضخم في السنوات الأربع الماضية إذ بلغت تعاملاته نحو 2.2 تريليون جنيه فيما تبلغ قيمة الضرائب الضائعة علي الدولة وفقاً لنسب التحصيل الحالية نحو 330 مليار جنيه ومن هنا فحجم هذا السوق غير الرسمي يمثل رقما ضخما علينا أن نتأمله وندقق فيه.
وكما يقول محمد البهي وفقاً لنسب التحصيل العالمية للضرائب التي تتراوح من 25% إلي 27% فتكون الحصيلة الضائعة علي مصر أكثر من 600 مليار جنيه وإذا أدخلنا الاقتصاد غير الرسمي في الرسمي تكون الحصيلة نحو تريليون جنيه مما يغنينا عن القروض داخليا وخارجيا فيما يحول عجز الموازنة إلي فائض.
العلم والقانون هما السبب الرئيسي في تحويل الدول من فقيرة إلي مزدهرة لا الفهلوة ولا بائعي الوهم ولا مدعي الوطنية أكثر من غيرهم “ولا اللي ضربوا الهوا دوكو”.. فقط العلم والقانون منظومتان تحمي الوطن من النباشين والنهابين والمحتالين والآكلين علي كل الموائد والمصفقين لكل الأنظمة والكذابين الذين يبثون الغث في السمين والسم في العسل.
مصر مطالبة بإصدار قانون خاص بعمليات غسل الأموال لمواجهة الأموال المشبوهة والتي تتحرك خارج الدورة الاقتصادية للبلاد والتي تؤثر علي زيادة معدلات التضخم بسبب الضغط علي المعروض السلعي من خلال أنماط استهلاكية تتصف بعدم الرشادة أو العشوائية وهو ما يزيد تدهور قيمة الجنيه وتشويه صورة الأسواق المالية وافساد مناخ الاستثمار الذي يطمح في تحقيق الأرباح في حين جرائم غسل الأموال تحقق ربحا يفوق 100% دون أي مجهود يذكر.