القيم هي كل الفضائل الأساسية في حياة الناس وهناك قيم كبري معروفة منذ القدم هي الحق. والخير. والجمال.
وانطلاقاً من ذلك لا يمكن أن يكون الحق قبيحاً. أو الخير شراً. ولا يمكن للإخلاص أن يكون مرتبطاً بالكذب. كما لا يمكن للانتماء أن يكون مبتذلاً.. ومن العيب أن حب الوطن قد تعلب في أغان حتي أضحي قول يتردد – أغنية لكل مواطن!
لقد عرف علماء الاجتماع أن منظومة القيم هي التناغم القائم بين الأسس التي تحكم حياة وسلوك الإنسان بصفته الإنسانية والشخص الخليق بسمته التحضرية.
أما اهتراء منظومة القيم هو التناقض الذي يقع فيه الناس أحياناً. بين ما هو نظري وما هو سلوكي.. كأن يثرثرون بلسانهم للمحبة أو يزعمون أنهم خير الأمم. ثم تنضح قلوبهم بما يخالف ذلك وما هو بين المقت والكراهية. بل ويودون من داخلهم محو من خالفهم!
سؤال يقفز في هذا المقام هل نستطيع إعادة بناء منظومة القيم التي اهترأت في مصرنا؟ وهذا يعني ضرورة مراجعة ما نحن فيه اليوم. وما كان منا طيلة السنوات العجاف الماضية التي انقلب فيها المجتمع إلي حالة مريعة من الانهيار القيمي بزعائم عديدة ارتبطت بمراحل توالت علينا.
مجتمعنا طفا فيه أثرياء جدد كان بعضهم من حرامية البحر. وتجار العملة والشنطة. ومجرفي الأراضي وهو ما انعكس أثره علي المجتمع بأجمعه.. تجلي ذلك في انتشار الفنون الهابطة وشيوع العشوائية والانتهازية. وكانت النتيجة مزيداً من الخلخلة في المنظومة القيمية السائدة!! ستون عاماً ظلت شجرة منظومة قيم مجتمعنا تتأرجح وتتساقط أوراقها علي النحو الذي عبر عنه الفن في السينما والدراما التلفازية. بل ونزف به الأدباء في نصوصهم القصصية والروائية.
أما السنوات الأخيرة فاجتاحت البلاد ثورتان انفجر فيهما كل ما كان مختبئاً تحت السطح. وظهر الاهتراء القيمي واضحاً في سلوك كثير من المصريين.. فظهرت وظائف جديدة.. منها ناشط سياسي وخبير استراتيجي ومحلل سياسي! ومنهم من تفرغ لانتقاد القاصي والداني. كأن الثورة كانت سبيلاً للتفريج عن العقد النفسية المزمنة.. انسجاماً مع فضائيات تملأ الهواء بالغث الكثير والسمين القليل وتناست أن تبث الأخلاق وأن تشارك في تهذيب الناس..!
يا لها من منظومة قيم وقد اهترأت بفعل نسبة لا بأس بها من أسافل الناس. ممن طفت أفعالهم فوق السطح.. وما انتشار ظاهرة التحرش والاعتداء علي الأطفال إلا انعكاساً لهذا الاهتراء وتراجعاً لمستوي السلوك والأخلاق في أغلب الشعور الجمعي للمصريين والذي يتأرجح بين الإيمان الشكلي والسلوك الهمجي.. إيمان تنقصه المصداقية. أما الهمجية فحدث ولا حرج وهذا قد تمثل في مرور مشوه ومركبات ضالة يقودها اراذل القوم وأرصفة سمتها العشوائية حتي أضحت بلادنا سوقاً رائجة لأتفه المنتجات الصينية يروجونها باعة لا ضمير لهم ولا عقل عندهم وكأنهم مندوبو الحكومة الصينية في الأراضي المصرية.. أما حكوماتنا السنية فمتفرجة وتكتفي بالتصريحات الغنائية والصور التلفازية.