الصراط المستقيم

عظمة الإسلام في حقوق المرأة الحامل والمرضع في الصيام

بقلم / الدكتور محمد النجار

   يأتي شهر رمضان المبارك ومعه فريضة الصيام مدة شهر كامل للمسلمين ، وتكمن فيه معاناة  المرأة  الحامل والمرضع  ، وقد وصف الله سبحانه وتعالى هذه الحالة ((حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ((لقمان14 وكونه كرهاً كما قال تعالى: ))حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا((  الأحقاف15 .  فلا غرابة في  خوف الأمهات على صحتهن وصحة أطفالهن.

خوف الحامل والمرضع من آثار الصيام

فينتاب المرأة الخوف على صحة جنينها الذي يتغذى من أحشائها ويتأثر بصيامها ، كما ينتاب الخوف الأم المرضع على رضيعها الذي حتما ستتأثر صحته بصحتها وبمقدار حليب الرضاعة في ثديها.  ومع بداية شهر رمضان تكثر الأسئلة المتعلقة في كيفية كسب  المرأة الحامل والمرضع أجر الصيام في شهر رمضان مع المحافظة على صحتها وصحة جنينها وطفلها.

 عظمة الإسلام في المحافظة على الطفولة

وبعد البحث في كتب الفقه وفتاوى الفقهاء المسلمين ، تبين لنا عظمة الإسلام في كيفية المحافظة على الطفولة وهي لاتزال أجنة في بطون الأمهات والطفولة في حالة الرضاعة ، وكيف يحافظ  الإسلام برحمته بالأم الحامل والمرضع ، ولا يحرمها من الأجر العظيم في هذا الشهر المبارك.

 عظمة الإسلام في المحافظة على حقوق الإنسان

إنها عظمة الإسلام في المحافظة على حقوق الإنسان التي جاءت مبكرة جداً منذ مايزيد على ألف وأربعمائة سنة قبل كل  مواثيق الغرب التي لم تنبثق إلا من سنوات قليلة مقارنة بمئات السنوات لظهور الإسلام.

 ميثاق حقوق الإنسان متأخر  عن الإسلام ب1400سنة

فلم يتم إصدار ميثاق حقوق الأنسان في الأمم المتحدة إلا بعد الحرب العالمية الثانية التي دمرت مقدرات معظم دول العالم وأذهقت أرواح عشرات الملايين من البشر فكان تاريخ 10 ديسمبر 1948 هو تاريخ الإعلان العالمي لحقوق الأنسان في الأمم المتحدة بينما جاء الإسلام بحقوق الانسان منذ أكثر من الف وأربعمائة  سنة .

 حقوق المرأة والطفولة في صوم رمضان

 وتتمثل عظمة الاسلام في فريضة الصوم في إعفاء  المرأة  الحامل والمرضع من فريضة الصيام ، يقول النبي ﷺ:

(((إن الله عزّ وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم)))  رواه النسائي وابن ماجه،وصححه الشيخ الألباني.

وبهذا الحديث يجوز للمرأة المسلمة الحامل والمرضعة الإفطار في شهر رمضان حفاظا عليها كأم ،  وحفاظاً على جنينها وطفلها الذي هو رجل وامرأة المستقبل ، والأكثر من ذلك أن يمنحها الإسلام نفس أجر الصائم في رمضان دون أن تصوم أو مقابل فدية بسيطة يستفيد منها إنسان آخر في المجتمع”فقير أو مسكين أو يتيم ..”. هذا في حال الأخذ بالفدية ، وهناك حالة أخرى تعفي الحامل والمرضع من الفدية والقضاء.

 إنها عظمة الدين الاسلامي الذي يشمل كل أبناء المجتمع بالرأفة والرحمة في الحياة الدنيا ثم العفو والمغفرة في الآخرة.

ماهو المطلوب من الحامل والمرضع في الصيام

يحدد النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة  اليسير المطلوب من الحامل والمرضع مقابل إعفائهن من الصيام .  واختلف العلماء حسب تفسيرهم للأحاديث من حيث الفدية بدلاً من الصيام أو قضاء الأيام  بعد زوال الظرف المانع من الصيام ..

ونعرض باختصار آراء الفقهاء فيما هو مطلوب من المرأة الحامل والمرضع في شهر الصوم.   ثم نركز على بند الإعفاء من الصيام للحامل والمرضع

أولا : المطلوب من الحامل والمرضع في الصيام

ذكر ابن كثير في تفسيره الخلاف الكبير بين العلماء في صوم الحامل والمرضعة نذكرها مختصرة  فيما يلي:

  1. الفدية فقط مقابل الإفطار :

الفدية فقط ولا قضاء عليهما . وهو إن تفطر الحامل والمرضعة شهر رمضان ، وتدفع فدية (إطعام للفقراء) ، وليس عليها قضاء صيام الأيام التي أفطرتها وهي حامل أو مرضع.

وهو قول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير، ومن الفقهاء والمحدثين  المعاصرين العالم الكبير الشيخ  الألباني في كتاب إرواء الغليل،وكتاب صحيح فقه السنة -كمال السيد سالم .

  1. القضاء فقط ، بلا فدية: بمعنى أن الحامل والمرضع تفطر شهر رمضان ، ثم عليها قضاء صيام الأيام التي افطرتها في رمضان ، وليس عليها إطعام .

وهذا مذهب الأحناف،وعلي بن أبي طالب،ومن المعاصرين ابن باز، وابن عثيمين.

  1. لا فدية ، ولا قضاء مقابل الإفطار، أي أن المرأة الحامل والمرضع تفطر شهر رمضان وبدون أي تعويض عنه سواء بالفدية أو الصيام اي ليس عليها فدية وليس عليها قضاء الأيام التي أفطرتها. وهذا قول ابن حزم الظاهري.

 

  1. الحامل تقضي ولا تطعم، والمرضع تقضي وتطعم

وهذا  قول الإمام مالك  (المدونة للإمام ملك بن أنس 1/ 278 والمجموع للنووي 6/ 269

أدلة الفدية بالإطعام دون قضاء أيام الصيام

وهذا الرأي قال به الصحابيان عبدالله بن عباس-ترجمان القرآن- وعبدالله بن عمر رضي الله عنهما : وهو أن الحامل والمرضع ليس عليهما قضاء الصيام ، وإنما عليهما الفدية فقط ، واعتمدا في ذلك على قول الله تعالى :

(((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ))) البقرة184

وإلحاقهما بالمريض الذي لا يُرجى برؤه لتكرر الحمل والرضاع.

وقال الشيخ الالباني أن هذه الأية لم تُنسخ .

قال ابنُ عَبَّاسٍ: كانتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الكَبِيرِ، والمَرْأةِ الكَبِيرَةِ، وهما يُطِيقانِ الصيامَ، أن يُفْطِرَا، ويُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، والحُبْلَى والمُرْضِعُ إذا خافَتَا على أوْلَادِهِما، أفْطَرَتَا، وأَطْعَمَتَا. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ.

وعن ابن عباس قال: (((إذا خَافت الحاملُ على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان))) قال:(((يفطران ويطعمان مكانَ كل يوم مسكينًا، ولا يقضيان صومًا))) أخرجه الطبري وصححه الألباني في إرواء الغليل.

وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس: ((أنه رَأى أمَّ ولدٍ له حاملا أو مُرضعًا، فقال: أنت بمنزلة الذي لا يُطيقه، عليك أن تطعمي مكانَ كل يوم مسكينُا، ولا قَضَاء عليك)) أخرجه الطبري في تفسيره وصححه الألباني في إرواء الغليل.

وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – أَنَّ امْرَأَتَهَ سَأَلَتْهُ وَهِيَ حُبْلَى فَقَالَ:

(((أَفْطِرِي، وَأَطْعِمِي عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَلاَ تَقْضِي))) رواه الدارقطني في سننه رقم 2388 وصححه وصححه الألباني.

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: (((الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ تُفْطِرُ وَلَا تَقْضِي)))  رواه الدارقطني .

وعن سعيد بن جبير قال: تفطر الحامل التي في شهرها، والمرضع التي تخاف على ولدها، تفطران، وتطعم كل واحدة منهما، كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما.

الإجماع السكوتي على رأي ابن عباس

وقد انتشر قول ابن عبَّاسٍ وابن عمر – رضي الله عنهما – عن الفدية للحامل والمرضع وبدون قضاء بين الصحابة ، ولم يُعلم لهما مخالفٌ مِن الصحابة  في هذه المسألة، وهذه حجَّةٌ وإجماعٌ عند جماهير العلماء، وهو المعروفُ عند الأصوليين بالإجماع السكوتيِّ.

الشيخ الألباني مُحدث العصر يؤيد الفدية وليس القضاء

ومن العلماء المعاصرين  الذين اختاروا الفدية  للحامل والمرضع عن صيام شهر رمضان،  الشّيخ الألباني يرحمه الله ، فقال بالنص  في الرد على السؤال التالي  :

السؤال :ماذا تفعل الحامل والمرضع إذا أفطرتا في رمضان هل تقضيا أم تطعم؟

جواب الشيخ الألباني:

الشيخ : قرأت في كتاب “صفة صوم النبي ﷺ في رمضان” لمؤلفه سليم الهلالي أن الحامل والمُرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما أفطرتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا ولا يجب عليهما القضاء فما صحة هذا القول؟ نرجو التوضيح جزاكم الله خيرا؟؟؟؟؟.

 الجواب :

أنه لا يجب عليها القضاء وإنما يجب عليها الكفارة”الفدية” عن كل يوم مسكينا، هذا الجواب جواب صحيح ، “أما الاشتراط المذكور وهو إذا خافت الحامل والمرضع على نفسيهما أو ولديهما، “هذا الشرط إنما هو اجتهاد من بعض العلماء لا تُكلّف به الحامل أو المرضع” لأن النبي ﷺ قال إن الله تبارك وتعالى قد وضع الصيام عن الحامل والمرضع ) ،  ثم قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى (( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين )) قال ابن عباس رضي الله عنه : ((أن الحامل والمرضع عليهما الإطعام))

أي لا يوجد هناك الشرط المذكور أنفا أن تخاف الحامل أو المرضع على نفسها أو على ولدها.

 خلاصة الجواب كما ورد في فتوى الشيخ الألباني:

يجوز لكل حامل ولكل مرضع أن تُفطر وأن تُطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليها إلا هذه الكفارة.       (انتهت فتوى الشيخ الألباني). ولا شك أن الفدية سينتفع بها الفقراء والمساكين .

 سلبيات ربما أشد من الفطر في رمضان

سألتني شابة من الأهل ، حملت ، ووضعت ، وأرضعت ، ونصحتها الطبيبة المختصة بالإفطار في كلٍ من  الحمل والرضاعة وأصبح عليها قضاء (4) أشهر أي (120)يوم ،ولم تستطع صيام سوى شهر واحد منهم ، وأصبحت مدينة بقضاء (90) يوم ، وأصبح قضاء الصيام يمثل لها هماً أكبر!!!

وقالت أحدى السيدات : أفطرت خلال الحمل والرضاعة إثني عشر عاماً متتالية ، وتراكمت أيام القضاء (((360))) يوما ، فماذا أعمل ؟

والسؤال : هل فرض الله الصيام لتعذيب الأمهات وتكليفهن فوق طاقتهن؟؟؟رغم أنهن مُطالبن بالحمل والولادة والرضاع وتربية النشأ؟!!!

إن إلزام الأمهات اللائي تحملن مشقة الحمل والولادة والرضاعة بقضاء تلك الأيام سوف يسبب متاعب ومشاق عليهن ، وتترتب على ذلك نتائج سلبية ينأى عنها شرع الله ، ومنها :

1-أن روح الشريعة الإسلامية تكمن في الرحمة بالعباد ، وأن الله يحب أن تُؤتى رخصه ، فإذا كانت المرأة قد حَمَلَتْ ووضعتْ وأرضعتْ عدة مرات ، يكون عليها قضاء بالشهور، فإذا فرضنا عليه القضاء بالصيام مثل هذه المدد الطويلة،نكون إبتعدنا عن روح الإسلام في الرحمة والإطمئنان التي أرسل الله بها شريعته لنا !!!

ففرض الصيام  ليس لتعذيب الأمهات وتكليفهن فوق طاقتهن؟؟؟

2-قد تلجأ بعض النساء الحوامل الى صيام رمضان حتى تدرأ عن نفسها الإفطار ثم معاناة القضاء ، فيكون الصيام  على حساب صحة الجنين ، وفي هذه مخالفة لروح الشريعة التي تحافظ على الإنسان حتى وهو جنين في بطن أمه ورضيع في حضن أمه.

3-قد تتحايل بعض النساء الى عدم الإنجاب أو التقليل منه خوفا مما تعتقد بأنه قسوة في الصيام وعبْ لا تستطيع ان تتحمله بجانب متاعب الحمل والرضاعة .

و هذا يخالف دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار من الإنجاب الذي ورد في حديثه ((تزوَّجوا الوَدودَ الولودَ فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُممَ)) رواه ابوداود والنسائي وحسنه الألباني.

4-شعور المرأة الخاطئ بأن الشريعة الإسلامية قاسية لا ترحم الصغير ، وتقسو على الكبير نتيجة التكليف بقضاء الصيام في حالة الإفطار والرضاعة ، بينما ديننا العظيم هو دين الرحمة التي تصل الى الجنين في بطن أمه ، قبل أن تصل إلى أمه ، وكل من في الأرض جميعاً.

  مقدار الفدية 

أولا : حالات الفدية :

هي الحالات التي يتم فيها الفطر في شهر رمضان  بسبب المرض الذى لا يُرجى شفاؤه  وكذلك حالة الحامل والمرضعة  ، وتحددت الفدية بمقدار نصف صاع من الطعام أي كيلو ونصف من الطعام مثل  الأرز الشائع أكله عن كل يوم تم افطاره في شهر رمضان .

ثانيا : القضاء:

هو صيام يوم بدلًا عن اليوم الذى أفطر فيه الصائم في نهار رمضان ، بسبب المرض الذي يرجى شفاؤه، وبسبب السفر ، والحيض والنفاس ، والأكل والشرب في نهار رمضان  .

ثالثا : حالات الكفارة:

كفارة الجماع في نهار رمضان، هي قضاء اليوم الذي أُرتكبت فيه هذه الفعلة ، بالإضافة الى  الكفارة صيام(((((60))))) متتالية، فإذا افطر خلالها يوم واحد فعليه الإعادة من جديد للستين يوم . فإن لم يستطع الصوم فإطعام ستين مسكينا ، ولا يجوز أن يطعم وهو قادر على الصيام.

والحكمة من  تلك العقوبة هي تأديب  الشخص الذي انتهك حرمة فريضة صيام هذا الشهرالمبارك ، وللدلالة على شناعة هذا الفعل في نهار شهر رمضان.

 أخيراً..

ومن وجهة نظري ، فإن رفع قضاء الصوم عن الحامل والمرضعة حسب رأي صاحبيْ رسول الله ﷺ عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر رضي الله عنهما بالاكتفاء بالفدية وإسقاط القضاء من ناحية ، بل وإسقاط  كلٍ من الفدية والقضاء عن الحامل والمرضع   حسب رأي  الإمام ابن حزم من ناحية أخرى أنه الأقرب الى الرحمة التي أرسل الله بها رسوله ﷺ إلى البشرية عامة ، ونساء المسلمين بشكل خاص .

هذا والله أعلم ..اللهم إن كنت أصبت فاجزني خيرا ، وإن كنت أخطأت فاغفر لي.

اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً

اللهم وفقنا لصيام شهر رمضان وارزقنا فيه توبةً نصوحاً نلقاك بها وأنت راضٍ عنا

عظمة الإسلام في حقوق المرأة الحامل والمرضع في الصيام 2

د.محمد النجار 3-04-2023م  الإثنين 12رمضان1444هـ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.