عقوق أُمِّنا الأرض: تأملات بقلم د. أمين رمضان

هل الأرض فعلاً أم البشر، أو أمنا، كما يطلق عليها الغربيون؟، تأملت هذا السؤال وقررت أن أغوص في معانيه المختلفة ولو قليلاً، مستمداً المعاني من سنوات عديدة قضيتها في دراسة وتدريس وأبحاث عن علوم الأرض.
أمنا التي أتحدث عنها عمرها الافتراضي، كما حدده علماء الجيولوجيا، حوالي ٥ بليون سنة، مرت خلالها الأرض بمراحل متعددة، وتفاعلات مستمرة، حتى تكون مهيأة لحياة الإنسان عليها، ولعل التعبير القرآني الرائع {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ – طه (53) – } استخدم كلمة مهداً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني الإعداد والتهيئة والراحة.
وهكذا تتلقفنا أمنا الأرض وقد هيأها الله سبحانه وتعالى لتعطينا الغذاء والدواء والدفء والحماية. أتذكر كتاب كنت قرأته مما يقرب من نصف قرن، عنوانه على ما أتذكر “لن يجوع العالم”، فالخيرات في الأرض تكفي أبنائها، ولعلها كانت تظن أنهم سيكونون أبناءً بررة ببعضهم البعض، لا يموت بينهم جائع، ولا يلتحف السماء منهم عريان، لكنها بكل أسى رأت الغالبية من أبنائها يتحولون إلى وحوش، يفترسون الخيرات والثروات، بل يفترسون الضعفاء من أبنائها، ورأت ثرواتها وهي تتحول إلى أسلحة فتاكة تدمر الحياة كلها بلا رحمة، ورأت الجشع الإنساني وهو يلوث الهواء والماء والغذاء، ليملأ خزائنه بالمال، والأرض بضحاياه، فبكت السحب بدموع تدمر الزرع والضرع، بعد أن كانت ماءاً زلالاً، ورأت الإنسان وهو يخرق سمائها بثقب الأوزون، ليفتح باباً للأشعة الضارة بالحياة، وغير ذلك الكثير من عصيان الإنسان لها ولقوانينها أو سننها التي لا تحابي أحداً من الناس.
جئنا إلى الأرض، وهي متوازنة فأصبنا التوازن في مقتل، وهي قادرة فحولناها لعاجزة، وهي في وفرة فجعلناها في ندرة، كلمتنا كثيراً عن التدرج والتكامل والتنوع في حياتها وواقعها، لعلنا نتعلم منها أن التنوع نعمة فحولناه لنقمة، وأن التدرج صحة فلهثنا ومرضنا، وأن التكامل وسيلة فاستبدلناه بالصراع والإبادة.
حتى عندما تغضب أمنا الأرض، يكون غضبها خيراً، تشعل النار في الغابات لتتجدد وتزدهر نباتات بالنار، تصب حمم البراكين من الغضب، فتتكون أخصب تربة وتزدهر الثمار، تحتفظ في بطنها بالمياه العذبة آلاف السنوات، ليحيا بها وعليها الإنسان، ولولا ذلك لمات من العطش.
والأعجب من ذلك أنها لا تشعرنا بحركتها وهي تدور حول نفسها وحول الشمس ومع المجرة، هي في دوران دائم، تتحمل الحركة وحدها ولا تشعرنا بها.
نِعَمٌ لا تحصى مَنَّ الله سبحانه وتعالى بها علينا وأودعها في قلب وأرض وسماء أمنا الأرض.
ترى متى يرعوى الإنسان ولا يعق أمنا الأرض، تعطيه الخير ويعطيها الشر، متى يرعوى؟!!!

aminghaleb@gmail.com
تسبيحه رائعة في ملكوت الأرض عندما قرأتها سرحت كأنني أسبح عظيم تسبيح العلماء
بارك الله فيك وفي علمك