على أبواب مرحلة إقتصادية جديدة “نقطتين .. وبس” النقطة الأولى
بقلم. د. يسري الشرقاوي رئيس جمعية رجال الاعمال الافريقية
النقطة الأولى
” من الاحتياج للإنتاج”
الأيام تثبت وتؤكد أن كافة الأنظمة على مستوى العالم وعلى مر السنوات الأخيرة تقوم بتوزيع التنمية وفقاً لعدالة توزيع نواتج التنمية من مشروعات وخدمات وإمكانيات مع إيجاد معادلات متوازنة بين الريف والحضر والقدرة على إحداث حالة تحوّل من ريف وقرى أكثر فقراً وإحتياجاً إلى قرى منتجة وجاذبة للسكان ولأهلها ، ومن المؤكد أن إنهيار هذا المفهوم وإهمال تطبيقه على مدار ٤٠ عاماً الأخيرة كان له بالغ الأثر لما وصلنا إليه في مراحلنا الحالية ، الريف لدينا في مصر به ٤٦٧٧ قرية بخلاف العزب والنجوع والتوابع ، يقطن بهم نحو ٦١ مليون نسمة وهو عدد يقترب من ٦٠٪ من إجمالي عدد سكان مصر ، ومتوسط أعمار ٦٥٪ منهم في عمر الشباب ، فيهم ملايين المثقفين والمهنيين والمحترفين ، ويساهم أبناء القرى في ٦٠٪ من شريحة المصريين بالخارج، أي أنهم يساهمون في ٥٠٪ على الأقل من تحويلات المصريين بالخارج بحدود متوسط ١٣ مليار دولار وفقاً لآخر الإحصاءات، خرجت من بينهم خروج مباشر كوادر عظيمة أولها أعظم لاعب محترف في تاريخ الكرة المصرية من إحدى قرى الغربية ، كل هؤلاء الموجودون في الخارج يتطلعون لتحسين معيشية أهلهم وذويهم الذين كانوا يعيشون في رغد العيش قبل ٤٠ عاماً في قرية منتجة للخضروات والفواكه واللحوم والطيور والألبان ومنتجاتها والصناعات الحرفيةواليدوية والموبيليا والزراعة بتنوعها، ومازالت لدينا نماذج في الغربية ودمياط والشرقية وكفر الشيخ وسيوة ، لكن للأسف قد أصاب كل ذلك إهمالاً شديداً وتحولت القرية من منتجة إلى مستهلكة تشارك الشارع المصري الإحتياج الشديد لكل السلع مع إنخفاض الدخول والإستمرار في المساهمة في الإنفجار السكاني الذي ساهمت القرية فيه ب ١٣ ونصف مليون نسمه منذ عام ٢٠١٢ إلى الآن. ، والأمر في عالم الإقتصاد يستلزم أن تتواجد سريعاً خريطة زراعية وصناعية وخدمية داخل كل قرية ،وإحياء مشروعات تنمية القرية المصرية ذلك النموذج الذي حاول الأمريكان تقديمه هدية للسادات بعد معاهدة كامب ديفيد ، إلا أننا قد أهملنا إدارته مثله مثل مشروع التعليم الفني “مبارك كول” مع ألمانيا وغيره ، نحن نحتاج إلى تخطيط وتشريع لتنفيذ شركات مساهمة شبه حكومية بين الدولة وأبناء هذه القرى -صناعية وتجارية متنوعة وسلاسل تجزئة وشركات تصدير، وأن توفر لها الدولة الدعم والأراضي والحوافز الخاصة جداً والخبرات غير المالية حتى تتحول القرية من الإحتياج للإنتاج.
النقطة الثانية
” ترشيد الإنفاق الحكومي”
في عالم الاقتصادات الحديثة وفي ظل الظروف الصعبة والمتداخلة والمعقدة للغاية تكون هناك العديد من الملفات الشائكة والحساسة والتي تحتاج إلى إعادة نظر بكل بساطة ويسر وتحتاج إلى مراجعات وتراجع وهذا ليس عيباً، فخطوات التصحيح هي التي تساهم في مراحل تحوّل ونجاح الدول ، إن مسألة ترشيد الإنفاق الحكومي العام وليس الاستثمارات الحكومية ” والتي سيكون لنا وقفة أيضاً معها”.. مسألة هامة للغاية وعلينا أن نذهب فيها إلى التفاصيل وألا نكتفي بمنشور إعلاني فقط يتحدث عن وقف السفريات لموظفي الدولة أو البدلات أو شراء سيارات أو أو..إلخ، كل هذا عظيم ولكننا نعود للمثل الشهير “إن الشيطان يكمن في التفاصيل” وإذا أدخلنا عليه تعديلا يتطابق مع واقع بعض الدول فسنجد أن الشيطان يكمن في التفاصيل والتطبيق ،،في تصوري أن إعادة هيكلة الوزارات بشكل يضمن أن يقوم الجهاز الحكومي بالعمل بأقصى جودة وكفاءة مع دمج عدد من الوزرات بنفقاتهم ، هذا كفيل أن يحقق بحدود واحد ونصف مليار دولار سنوياً ولن تحدث حالة خلل في الأداء كما يهيئ لنا من البعض ، إذا تم إتخاذ قرار واضح وصريح ويتم تطبيقه فوراً بإلغاء الانتدابات مهما كانت طبيعتها ومهما كانت الجهة فأبشر بنصف مليار دولار على الأقل وفراً وخفضاً في الإنفاق ، إذا تم دمج بعض السفارات وإعادة الإنتشار في بعض القطاعات لخدمة الدبلوماسية الإقتصادية أكثر من الرسمية، ففي هذه الحالة ستضغط النفقات وتزيد حصة مصر من الصادرات ، إذا تم النظر في وقف إقامة الحفلات والمؤتمرات بكل مستوياتها حتى وإن كان من يتحمل جزء منها هم “رعاة” ويمكن توجيه حقوق الرعاية لدعم مشروع تنمية القرى من الآحتياج للإنتاج أو دعم الصناعة والزراعة، فهذا ايضا سيكون أفضل وكذلك ترشيد الإنفاق، بل يصل الأمر إلى إغلاق أية هيئات حكومية تحقق خسائر فادحة ويعاد النظر في هذه الإستثمارات الحكومية وإتخاذ قرارات سريعة في دراستها وتدشينها . في الإقتصاديات الحديثة المطلوب الوصول اليها تتقلص تماماً الإنتدابات والسفريات والسيارات والتعيينات وبدلات الطبيعة الخاصة وآلاف بنود الانفاق حتى تجد ما تعالج به عجز الموازنة العامة وتعالج به أيضا الطبقية الإجتماعية التي تؤثر سلباً على إقتصادات الدول الناشئة.