عندما تخدعنا الصورة: تريندات الذكاء الاصطناعي بين المزاح والخطر الحقيقي

بقلم / الدكتورة هناء خليفة
في زمنٍ باتت فيه الصورة أقوى من الحقيقة، لم تعد الكاميرا تُوثّق اللحظة، بل تصنعها. بضغطة واحدة، يمكن لأي شخص أن يعيش داخل مشهدٍ لم يحدث، أو يظهر في صورة مع نجمٍ لم يلتقِه يومًا، أو حتى يخلق نسخة مثالية من وجهه تُخفي ملامحه الحقيقية.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي جعلت “التريندات الصورية” موضة يومية تغزو وسائل التواصل — من “صورة المستقبل” و”ملامح المشاهير” إلى “الغريب في البيت”، آخر الصيحات التي تجاوزت المزاح لتلامس حدود الخطر.
هذه التريندات لم تعد مجرد وسيلة للمرح، بل أصبحت مرآة تكشف هشاشة وعينا الجمعي في التعامل مع ما تخلقه الخوارزميات من أوهام، ومع قدرتها المدهشة على خلط الحقيقة بالخيال حتى لا نعود نعرف أين يقف الواقع.
*“الغريب في البيت”… تريند يقتحم الخصوصية ويزرع الخوف
في هذا التريند، يقوم الأبناء بتركيب صورة شخص مجهول داخل صورة عائلية أو في أحد أركان المنزل، ثم يعرضونها على الوالدين ليراقبوا ردود فعلهم. اللحظة الأولى تكون عادةً صادمة: خوف، ذهول، وربما صراخ حقيقي.
ما بدأ كدعابة رقمية سرعان ما تحوّل إلى تجربة نفسية قاسية، خاصة لدى كبار السن، الذين يرون فجأة “غريبًا” في أكثر أماكنهم أمانًا — بيتهم.
ورغم أن الهدف المعلن هو المزاح، فإن الأثر النفسي لا يمكن تجاهله: فقدان الإحساس بالأمان، اضطراب مؤقت في الوعي، أو حتى صدمة عصبية حقيقية. والنتيجة الأخطر هي اهتزاز الثقة داخل الأسرة، حين يشعر الآباء أن أبناءهم استغلوا خوفهم لأجل مشاهدات أو إعجابات إلكترونية.
*الذكاء الاصطناعي… حين يتحول الإبداع إلى تلاعب بالعواطف
الذكاء الاصطناعي صُمّم ليكون أداة للإبداع، لكنه أصبح أيضًا وسيلة لتزييف المشاعر والذكريات. القدرة على تركيب الصور بهذا الإتقان تطرح سؤالًا مقلقًا: كيف سنفرّق بين الحقيقي والمزيف في المستقبل؟
إنها ليست مجرد صورة عابرة، بل تجربة تشككنا في أعيننا وفي ثقتنا بالآخرين. وهنا تكمن الخطورة: حين تتحول التقنية إلى أداة لتشويش الإدراك، وتصبح المشاعر ملعبًا لخوارزمية بلا ضمير.
*الآثار الاجتماعية… حين يفقد البيت دفئه العائلي
المنزل كان يومًا الحصن الأكثر أمانًا، لكن الذكاء الاصطناعي جعل حتى الجدران قابلة للاختراق الافتراضي. انتشار فيديوهات “الغريب في البيت” على السوشيال ميديا لا يؤذي فقط الضحايا، بل يشجع الآخرين على تقليد التجربة دون إدراك لعواقبها.
فما يُنشر للضحك قد يترك جرحًا في قلب أبٍ أو أمٍ، ويزرع بين أفراد الأسرة شعورًا بالقلق والريبة… إن تحويل الخوف إلى محتوى ترفيهي يهدد القيم الأسرية التي تقوم على الاحترام والرحمة، لا على التجربة النفسية من أجل “التريند”.
*من الصورة إلى الوعي: من نصدق؟
الصورة اليوم لم تعد دليلاً على الحقيقة، بل احتمالًا لها. ومع تصاعد التريندات التي تُنتج وجوهًا وأحداثًا مصطنعة، يصبح الوعي هو خط الدفاع الأول. الوعي بأن الجمال الرقمي ليس حقيقة، وأن المزاح قد يكون مؤذيًا، وأن كل مشاركة على الإنترنت تحمل أثرًا لا يُمحى بسهولة.
*كيف نحمي أنفسنا من التزييف الذكي؟
١– تحقق من الحقيقة قبل أن تصدق الصورة. الصور المزيفة أصبحت واقعية لدرجة مخيفة، لكن تفاصيل صغيرة — مثل الظلال أو التناسق — قد تكشف الخداع.
٢– لا تمنح التكنولوجيا وجهك بلا وعي. تجنّب تحميل صورك الشخصية على تطبيقات غير موثوقة؛ فالذكاء الاصطناعي يتغذى على بياناتنا.
٣– حدّد حدود المزاح داخل الأسرة. ليس كل ما يُضحك الآخرين يستحق أن يُروّع من نحبهم.
٤– وعى أبناءك بالمسؤولية الرقمية. فالمزاح الذي يبدأ على الشاشة قد ينتهي بصدمة حقيقية في الواقع.
٥– احمي نفسك بالوعي، لا بالخوف. التكنولوجيا ليست عدوًا، لكنها تحتاج إلى إنسانٍ يعرف متى يتوقف عند الخط الفاصل بين المتعة والأذى.
وختاماً ..مرآة جديدة نرى من خلالها العالم
الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة رقمية، بل مرآة جديدة نرى من خلالها العالم — أو نرى الوهم فيه.
فما نعتبره اليوم تسلية بريئة قد يصبح غدًا سلاحًا نفسيًا واجتماعيًا إذا لم نحسن استخدامه.
لذا تذكّر دائمًا: الصورة قد تبتسم لك، لكنها لا تقول الحقيقة دائمًا.