عندما تصبح المصطبة عرشا للإنسانية ومحرابا للإخلاص
دروس في الحكم والإدارة من مدرسة المصطبة بمحافظة الدقهلية

بقلم / مدحت سالم
إلى الرجل الذي لم يتكئ على كرسي المنصب ولم يحتم بأسوار السلطة إلى الإنسان قبل أن يكون المسؤول.. إلى الجندي الذي لم يخلع عن روحه بذلة التضحية وإن ارتدى ثوب القيادة.. إلى المحافظ الذي لم يجلس في برجه العاجي يوزع التعليمات من خلف الأبواب المغلقة.. بل نزل إلى الأرض التي استودع فيها الأمانة ومشى بين الناس بقدميه لا بموكب يفسح له الطريق.
إنه اللواء طارق مرزوق محافظ الدقهلية ، ذاك الاسم الذي حفر في القلوب قبل أن يكتب في قرارات التعيين ذلك الرجل الذي لم يعتبر المحافظة خريطة تدار بالأوراق ولم ير في شوارعها مجرد أرقام وإحصاءات بل نظر إليها كما ينظر الأب إلى أبنائه وكما ينظر الجندي إلى تراب وطنه وكما ينظر الطبيب إلى مرضاه وكما قال الفيلسوف الصيني لاوتزه (( القائد العظيم هو الذي يجعل الناس يقولون في النهاية لقد فعلناها بأنفسنا))
**القيادة الحقيقية لا تمارس من الأبراج العاجية

أيها القائد الذي لم تجذبه بهرجة المناصب ولم تغره أضواء الشهرة ولم تأسره كراسي الحكم بل آثر المصطبة على المكتب ورأى أن الجلوس مع الناس أولى من الجلوس فوقهم فكان حيث يجب أن يكون وكان الصورة التي طالما حلم بها أبناء الدقهلية حين كان الأمل في مسؤول يشبههم يكاد يتلاشى وحين كان الانفصال بين الحاكم والمحكوم قد صار قدرا لا جدال فيه فجئت أنت لتقول بلسان الحال قبل المقال إن الإدارة ليست برقي المكاتب ولا بسعة الصلاحيات ولكنها بقرب القلوب وحكمة القرار وإن القيادة لا تعني إصدار الأوامر من العرش بل النزول إلى الميدان ومشاركة الناس همومهم وكما قال جبران خليل جبران (( ليس التاج هو الذي يكرم الملك بل أعماله هي التي تجعله يستحق التاج ))
** المصطبة منصة للعدل ومحراب للإخلاص
كيف لا نتحدث عنك وقد رأيناك حيث لم نر غيرك كيف لا نكتب اسمك بمداد الفخر وقد أبصرتك أعيننا حيث اعتدنا ألا نرى أحدا كيف لا نرفعك إلى مقام التقدير وقد رأيناك تضع نفسك في مقام الناس كيف لا نقف لك احتراما وقد رأيناك تقف حيث لا يقف إلا أصحاب العزائم
حين جلس غيرك على الكراسي الوثيرة جلست أنت على المصطبة حيث يجلس أبناء هذه الأرض وحيث تروى حكايات البسطاء وتنسج تفاصيل الحياة الحقيقية التي لا ترى من خلف النوافذ المغلقة وحيث يختبر المسؤول في موضع لا يختبر فيه إلا الرجال
المصطبة التي جلس عليها المريض قبل أن يدخل غرفة الفحص والمكلوم قبل أن يواسيه أحد والجائع قبل أن يجد من يسد رمقه المصطبة التي شهدت على معاناة العابرين وسهر المنتظرين وكفاح الباحثين عن بصيص أمل المصطبة التي جلس عليها الكثيرون مرورا لكنك جلست عليها انتماء وكما قال الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز (( ليس بالسوط ولا بالسيف ولكن بالعدل ))
** دروس في الحكم والإدارة من مدرسة المصطبة
لقد مر على هذه المحافظة كثيرون منهم من حفظت الناس أسماءهم ومنهم من طواهم النسيان أما أنت فقد سجلت اسمك في دفاتر القلوب لا في سجلات الوظائف لأنك لم تعتبر المحافظة محطة عابرة بل رأيتها وطنا ولم تنظر إلى منصبك على أنه تكليف إداري بل على أنه تكليف إنساني ولم تتعامل مع الناس كأرقام في تعداد رسمي بل رأيتهم كما يجب أن يرى البشر فكنت منهم قبل أن تكون عليهم وكنت إليهم قبل أن تكون إليك السلطة وكنت للناس قبل أن تكون للمنصب
أيها المحافظ الإنسان يا من اخترت أن تكون قريبا حين اختار غيرك أن يكون بعيدا ويا من آثرت أن تسمع بوضوح حين اعتاد غيرك أن يصم أذنيه ويا من نزلت إلى الميدان حيث اعتاد غيرك أن يدير من خلف الستار إننا لا نقول هذا مدحا بل نقوله شهادة حق وشهادة الوفاء هي أثمن ما يمكن أن يقدم لرجل آمن أن المناصب زائلة لكن الأثر باق وأن الكراسي متحركة لكن القلوب ثابتة وأن التقدير لا يشترى بالقرارات الرسمية ولكنه ينتزع بالمواقف الصادقة
** الإدارة الحقيقية بين فلسفة الحكم ونظرية القيادة
من منظور تنظيمي نجد أن نهج اللواء طارق مرزوق يقدم نموذجا متكاملا للإدارة القائمة على القرب من الواقع والتفاعل المباشر مع القضايا اليومية للناس ويمكن تلخيصه في أربعة مبادئ رئيسية:
الأول القيادة الميدانية حيث لا يكتفي المسؤول بإدارة الملفات من خلف مكتبه بل ينزل بنفسه إلى أرض الواقع ليرى المشكلات بعينه ويسمعها بأذنه ويشعر بها بقلبه

الثاني كسر الحواجز بين الحاكم والمحكوم فالمسؤول الحقيقي لا يعرف الحواجز ولا يعترف بالمكاتب المغلقة بل ينزل إلى الناس ليكون واحدا منهم
الثالث صناعة الأثر بدلا من صناعة الصورة فالتاريخ لا يذكر من تصدر المشهد الإعلامي بل من تصدر مشهد الإنجاز الحقيقي
الرابع تحقيق العدالة الاجتماعية بالممارسة لا بالشعارات فالمسؤول الناجح هو الذي يجعل المواطن يشعر بأن صوته مسموع وحقوقه محترمة وكرامته مصونة
** المصطبة حيث تجثو المناصب وتسود الإنسانية
يا أيها القائد الذي جعلنا نؤمن أن الأمل لا يزال موجودا والمسؤولية لا تزال لها رجال والدقهلية لا تزال تنجب من يحملون رايتها بحق لك منا كل الاحترام والتقدير والدعاء بأن يوفقك الله لكل خير ويعينك على إتمام رسالتك كما بدأتها وكما أردتها وكما تمنيناها دائما
ختاماً المصطبة حيث تختبر المواقف وحيث تنكشف الحقائق وحيث تصنع القيادة الحقيقية.
مدحت سالم
كاتب وباحث