أراء وقراءات

عن الإنسان (4) الزمن والإنسان

بقلم / الدكتور أمين رمضان

في مثل هذا اليوم .. من 71 سنة .. كانت صرختي الأولى تشق الأثير .. معلنة ولادة إنسان جديد .. وعندها بدأ عداد عمري يعمل من هذه اللحظة .. إلى أن يشاء الله .. وتنتهي رحلتي في الدنيا.

وأنا أعيش مشاعر عديدة عن رحلتي في الحياة .. كان عقلي في واد آخر .. وادي التساؤلات .. وكان التساؤل الأول .. هل فعلاً العمر مجرد رقم؟ .. كما هو شائع بين الناس .. والسؤال الثاني .. عن الزمن نفسه .. ما هو الزمن؟

سؤال ينطبق على الأفراد والمؤسسات والدول

هل العمر مجرد رقم؟ .. سؤال ينطبق على الأفراد والمؤسسات والدول .. بنظرة سريعة وبسيطة على الواقع .. ربما نجد أنه لا قيمة للزمن نفسه .. مع أن الناس يحتفلون ببلوغ الإنسان عمر أو زمن معين .. ولعلك أيها القارئ الفطن .. تقرأ الآن في عقلك ما أريد أن أقوله .. أن الزمن مجرد إطار أو وعاء .. وأن القيمة الحقيقية هي فيما يتم إنجازة في هذا الإطار الزمني.

المهم هو ما يتم إنجازة .. سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي .. وأثر هذا الإنجاز على الشخص نفسه وعلى مجتمعه .. فمخترع الكهرباء أنار العالم .. ومخترع الآلة البخارية حرك الإنجازات البشرية لآفاق جديدة .. ومفجر الطاقة النووية .. ومخترع الصواريخ .. ومخترع الكمبيوتر .. ومخترع البنج كمخدر .. والأدوية .. وحديثاً مخترعوا لقاحات كورونا .. كل هؤلاء دليل صارخ على أن الزمن كان بالنسبة لهم إنجازات خدمت البشرية كلها .. بينما كان لغيرهم مجرد عقارب ساعة تدق وتدور حول أناس أو مجتمعات كسالى .. همل .. لا يضيفون للحياة شيئاً .. بل يمثلون عبئاً على الحياة .. وسوق لمن يحولون الزمن إلى إنجازات قادمة من مصانع عملاقة .. أو باطن الأرض .. أو أعماق البحار .. أو آفاق الفضاء .. أو داخل النفس البشرية.

أما السؤال الثاني : ما هو الزمن؟

فإنك تعجب حين تعرف أن من أوجد الزمن هو الحركة .. وكلنا نرى ذلك في كل لحظه .. فلو توقفت الشمس عن الحركة .. لن نشعر بالزمن .. ولو حبست إنسان في غرفة مظلمة وحده لفترة طويلة .. لن يشعر بالزمن.

الزمن مولود من الحركة في الكون كله .. وهذا المعنى مهم جداً لإعادة قراءة التعليق على السؤال الأول: هل العمر مجرد رقم؟.

مجتمعات تعادي ناموس الكون

فالمجتمعات الساكنة تعادي ناموس الكون .. وحاكمة على نفسها بالفناء أو الهزيمة من المجتمعات المتحركة ..  فالأولى تعيش مع وهم الزمن .. فتعيش حالة من الجمود الذي يمر عليه الزمن ساخراً .. والثانية تعيش مع حقيقة الزمن .. فتعيش حالة من الحيوية والتجدد والتطور والإنجازات .. التي تجعلها تمر  هي على الزمن فخورة ومبتسمة.

أعجب جداً من الذين يحرصون على شراء أغلى الساعات .. ولا ينتمون لعالم الإنجاز بأي صلة .. فهم يبحثون عن القيمة فيما يشترون .. وليس فيما ينجزون.

السبت 4 ديسمبر 2021

د. أمين رمضان
مدرب وباحث بمركز الوعي العربي للدراسات الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.