بقلم / د. أمين رمضان
الإنسان والزمن والمادة، ثلاثية الوجود ، الزمن والمادة مسخران للإنسان (كما ذكر الدكتور محمد إقبال الخضر في كتابه “التنمية بدءاً بالإنسان”)، سأقتصر حديثي في هذه المقالة عن الزمن، انسجاماً مع اللحظة التي يودع فيها العالم عاماً عاشه بكل ما فيه، ويستقبل عاماً جديداً عام 2022م.
الزمن السيكولوجي
فهل الزمن الإنساني يقاس بالعمر الذي يعيشه الإنسان؟ .. تعالوا نتعرف على لحظات زمنية في حياة البشرية، لا يهم متى ولا أين كانت هذه اللحظات، لكن المهم هو الأثر الذي أحدثته في حياة الناس وفي مجالات متفرقة ومتعددة في الكون، لا تحصيها مقالة، لكنها مجرد أمثلة للمعني الحقيقي للزمن في حياة كل منا، وهو الذي يعتبره علماء النفس الزمن السيكولوجي، أو الزمن الذي أحدث أثراً كبيراً في حياة الشخص، وقد يزداد هذا الأثر ليشمل البشرية كلها.
أهم لحظات الزمن
ولعل أهم لحظات الزمن، هي التي اتصل فيها وحي السماء بالبشر، ليعرف الإنسان الإجابة على أسئلة الوجود الكبرى في الحياة، من أنا؟، ومن أين جئت؟، وما هي رسالتي؟، وإلى أين نهايتي؟. ليس هناك إنسان عاش على هذه الأرض، أو سيعيش عليها، إلا وسيطرح سؤال أو أكثر من هذه الأسئلة على عقله، الوحي تكفل بالإجابه عليها، وترك للناس حرية الاختيار والإرادة في الحياة. عندما يجد الإنسان إجابة على هذه الأسئلة فإن بوصلة حياته ستكون في الاتجاه الصحيح، وبالتالي فإن أثر لحظات اتصال الوحي بالبشر يتعدى أثرها الزمان والمكان والإنسان والأرض، تسخيراً وتعميراً مادياً بتسخير المادة ومعنوياً بأن تحكم الأخلاق والقيم الإنسانية هذا التسخير حتى لا يكون مدمراً كما تعيش البشرية الآن.
لحظة إنجاز كبرى
اللحظة التي سقطت فيها التفاحة على نيوتن، كانت ولادة لقانون الجاذبية، وهو من أهم قوانين الفيزياء، ولد في لحظة من عقل عالم جعل لهذه اللحظة قيمة كبرى في حياة البشر.
معرفة الجاذبية مع علوم أخرى أوصلت الإنسان للحظة إنجاز كبرى عندما استطاع أن يخرج من الجاذبية الأرضية ويهبط على القمر، كان نيل أرمسترونغ رائد فضاء ناسا الأمريكي الأكثر شهرة أول رائد فضاء هبط على سطح القمر في (Gemini 89) التابعة لناسا في 20 يوليو عام 1969م، وبعدها تطورت علوم الفضاء، وتعددت الرحلات لتستكشف أسرار الكون، وظهرت منتجات تكنولوجيا الفضاء في حياة الناس، مثل وسائل التواصل وغيرها.
مارد الطاقة النووية
أيضاً عندما وضع أينشتين معادلته الشهيرة عن تحول المادة إلى طاقة، كانت مجرد رموز على الورق، لكنها أطلقت مارد الطاقة النووية الجبار، وكان أول ظهور لهذا المارد في اليابان، عندما ألقت أمريكا قنبلة “الولد الصغير” على هيروشيما، وقنبلة “الرجل البدين” على نجازاكي في شهر أغسطس عام 1945م، ولقد أدى الانفجار في هيروشيما إلى القضاء على 90% من المدينة وأدى أيضاً إلى قتل ما يقارب 80,000 شخص مباشرةً عوضاً عن عشرات الآلاف الذين سيموتون لاحقاً بسبب تأثيرات الإشعاع. بعد حادثة هيروشيما بثلاثة أيام أسقطت طائرة أمريكية قنبلة نووية أخرى على مدينة ناجازاكي، مما أسفر عن مقتل ما يقارب من 40,000 شخص، هنا لحظة إبداع من عالم طبيعة نووية، أينشتين، ولحظة دمار هائل أبادت مدينتين بالكامل تقريباً، أو قل إن شئت لحظة تسخير المادة بالعلم والأبحاث، ولحظة تدمير عندما غابت القيم الإنسانية في الغابة البشرية وظهرت أنياب الرعب النووية الشرسة في الوجود. ما لم يعرفه الكثيرون هو أن أينشتاين بعد أن رأى هذه الجريمة التي استخدمت فيها معادلته لإنتاج القنابل النووية، أرسل خطابات لرؤساء العالم في ذلك الوقت يناشدهم استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية فقط، وبعد ذلك ظهرت جوائز نوبل للسلام، لكن هيهات.
لحظات زمنية مميزة
لحظة اكتشاف المصباح الكهربائي لأديسون، واكتشاف فلمنج للبنسلين، واكتشاف وليم مورتون لمادة التخدير، واكتشاف لقاحات كورونا أخيراً، وغيرها الكثير والكثير، كلها تمت في فترة زمنية قصيرة، لكن تعدى أثرها للبشرية كلها.
السؤال الآن الذي يجب أن يسأله كل منا لنفسه: كيف أصنع لحظات زمنية مميزة بالإنجاز والأثر في عمري؟
السؤال السابق مهم جداً أيضاً للمجتمعات والدول، كما هو مهم للأفراد، بل أكثر.
باختصار الزمن الحقيقي في حياة البشر يقاس بالإنجازات، وليس بعقارب الساعات.
فقبل أن نحتفل بعام جديد، علينا أن نتسائل عن إنجازات العام الذي انتهي، وهكذا كل يوم وشهر وعام، ثم العمر كله.
الاحتفال بالإنجازات وليس بالزمن.