عوامل الانتصار .. وأسباب الإستحمار ..بقلم : علاء الصفطاوي
عندما تكون الدعوة إلى رجاء ما عند الله نوع من الاستحمار .. وذلك بأن نجد من يأمر الناس بترك حقوقهم الاجتماعية والطبيعية والسياسية، والرضا بالواقع وحتى ولو كان مريراً، والاكتفاء بحاجات بسيطة للغاية لا تتجاوز حاجات الحيوان، ويصبح الإنسان مرتبطاً بأمل الحصول على ما يريد في جنات النعيم .
والحقيقة أن الدعوة إلى التخلص من حطام الدنيا يعني التخلص من الحقوق المشروعة المكفولة للإنسان من خلال شريعة رب العالمين، فنترك الدنيا للمفسدين والظالمين، ليفعلوا فيها ما يشاؤون، ونصبح نحن المطية التي يصلون من خلالها إلى أهدافهم في تحصيل الثروات الغير مشروعة، في الوقت الذي نتعلل فيه بالزهد السلبي، الذي أضعف صلتنا بالحياة، بل أوجد – أحياناً – حاجزاً نفسيًّا بيننا وبينها، وهذا آل بنا إلى أن فقدنا التميز الحضاري بل أفقدنا إنسانيتنا وكرامتنا ودنيانا، وربما يكون سبباً في فقدنا لأخرانا، لأن المسلم بخلافته لله في الأرض ينبغي أن يكون حريصاً على أن يكون فيها في أعلى عليين، إيمانياً وأخلاقياً وعلمياً وحضارياً، وبالتالي ينتقل من أعلى عليين في الدنيا إلى أعلى عليين في الآخرة.
والأمة مطالبة بأن تراجع بعض المفاهيم في تراثها لأن بعض تلك المفاهيم أفقدنا مقام الشهادة على الأمم في الدنيا، مما يترتب عليه فقْداننا لمقام الشهادة في الآخرة !!.
وبعض قيم الإسلام النبيلة لا تتحقق على أرض الواقع إلا إذا ملكنا زمام الدنيا، فعندما قال القائل: “ملكنا فكان العفو منا سجية” ،لم يقصد بها الأمة في هذا الزمن الردئ، وإنما قالها يوم أن كنا سادة .. وكان منا القادة، ولذلك يوم أن ضاعت منا السيادة والقيادة تحقق عُجُز البيت عندما قال الشاعر: فلما ملكتم ( يقصد غير المسلمين ) سال بالدم أبطح، وهذا نراه بأعيننا في كلّ حين وآن، فدماء المسلمين تُسفك ليلاً ونهاراً .. سرًّا وجهاراً !!
ومن هنا أستطيع القول أن الأمة تعيش عصر الاستحمار كما قال علي شريعتي أو عصر القابلية للإستخراب ( الإستعمار) كما قال مالك بن نبي رحمه الله، وواقعاً نحن نعيش الحالتين ، الاستحمار من خلال الرضا بأنظمة حكم فاسدة لا ترعى مصالح الشعوب، والإستخراب بقبول الوصاية على أمتنا من أعدائها.
ومن هنا يجب على الدعاة والمخلصين وباعثي النهضة في هذه الأمة أن يحيوا في النفوس ثقافة البناء والعمران، ويرشدوا المسلمين إلى أن القرآن الكريم كتاب حياةٍ،فيه الكثير – والكثير جدًّا – من الآيات التي ترشد الأمة وتوجهها نحو إقامة مجتمعات راشدة، وبناء أجيال ناهضة تُعمّر الدنيا، وتقيم فيها موازين العدل، ليعيش الناس في ظله آمنين.
أما ثقافة الاستسلام للواقع والرضا بالدُّون فلم تعرفها ثقافتنا، ولم يرضاها لنا الشارع الحكيم، لكنها وجدت أرضاً خصبة في بلادنا في ظلّ غياب الوعي .. والبعد عن مصادر التلقي الصحيح من خلال آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، وسيرة سلف رسم معالم الطريق للخلف الذين يأتون من بعده، وما على الخلف إلا أن يحققوا النظرية مع مراعاة المتغيرات .. والعمل بفقه المآلات ..