بقلم: أ. د. أسامة مدني
“مبروك، جالك ولد”، بُشرى يَطرب لسماعها أي أب وتزهو لنبوءتها كل أم، إرث غائر جعل من قدوم المولود الذكر مدعاة للتفاخر، للتباهي، للتعالي، ومولد الأنثى نحيب وهمًّ وهوان؛ فهو العصب في الصغر، والسند في الكِبر، والوريث عندما يحل الأَجل. لِم لا، وهو الحامل لاسم الأسرة والحامي لمكانتها والحارس على شرفها ومجدها. وتشارك الأم الأب تلك النظرة الذكورية المتأصلة كونها هي نفسها ضحية ذات الموروث الثقافي العتيق. يأتى “ديك البرابر” فينتفض الأب طاووساً “نافشاً ريشه” بين الأقارب والجيران، وتتمايل الأم يمامةً أمام حماتها والسِلْفَات. يدندن الأب متباهيًا: “جانا الصبى وصلي ع النبى”، فيكبر “بسلامته” مُفضلاً في التدليل، في العطاء، في المكانة، فيتحول تدريجياً إلى مشروع طاغية؛ تُغفر أخطاؤه وسيئاته، لا ينفع معه عقاب أُم صارت رهينة ثقافة أبوية بالية: “أضرب ولدي وأكره اللي ما يحوشني”، “أدعي على ابني وأكره اللي يقول آمين”، “أضرب ابني ينكفي في حجري”.
من أين أتى هذا الكيل بمكيالين؟ من أين جاء هذا التفضيل غير المشروط للذكور فصار طغياناً ممنهجاً ضد الإناث؟ من أين حلّت وصمة العار عندما تهل الإناث، والمجد العُلي عندما يطل الذكور؟ لماذا لا يكف الأب عن مطاردة الأم طلباً للابن الذكر وهو المسؤول عن نوع الجنين؟ ولماذا يُحيل المسكينة إلي مُخلَّفات منزلية عندما تكتسب لقب “خِلفتها بنات”؟ من أين تلك الأنانية المجتمعية المفرطة لصالح الذكر دون أدنى مسؤولية تجاه نصف مجتمع بأكمله؟ فهل حقاً تجاوزنا أمراض الجاهلية أم ما زالت حاضرة تفتت العضد، وتمزق الشمل، وتُقطّع الأرحام، وتخلق الحقد والبغضاء بين البنين والبنات؟ أنسينا قوله تعالى: “وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرا” (النساء 124)؟ أتغافلنا قوله سبحانه: “لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (الشورى 49-50)؟ أين نحن من قول الرسول الكريم: “سوُّوا بين أولادكم في العطيَّةِ فلو كنتُ مفضِّلًا أَحدًا لفضلتُ النساءَ”؟ وقوله: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا”؟ وكيف مر علينا قول الرب فى الكتاب المقدس: “لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ”. (غلاطية 26:3-28).
فلنكن منصفين، عادلين بين أبنائنا. لنعلم أن تفضيل الذكور منهم، طغيان لهم؛ وهو بالتبعية تهميش للإناث، قهر لهنَّ. فله الحرية ولها التبعية، له الإرث الوفير ولها الفتات الشحيح، له الكلمة المسموعة ولها الهمهمة المكتومة، فهو الضلع الأكمل وهى الضلع الأعوج. فهل نريد ابناً مدججاً بموروثات ثقافية ذكوريّة فتّاكة فى مواجهة ابنة مسلوبة، محاصرة بدوائر أبوية هدّامة؟
إن كان لا، فهيا “نعدل الطاقية للولا”، وكفانا عوجاً وتدليلا.
××××