عُرس النور

بقلم / عصام زايد
استيقظنا ذلك الصباح على ضجيج غير مألوف في الشارع المجاور. طبول تقرع الآذان، زغاريد متلاحقة لم نتعود على سماعها منذ دخلنا في الصمت الطويل وضحكات تتناثر فتوقظ قلوب النيام.. إيه الحكاية، ظننت أنها زفة عرس لجار جديد لا يعلم التقاليد، أو موكب عفش أراد أصحابه التفاخر ومكايدة الجيران بجهل لعواقب الأمور.. فنحن نعيش في حي جدرانه عالية ونوافذه في أعلي الجدار.
سألت جاري الذي يقف بجانبي متفحصا المشهد،
ما الذي يحدث؟
ابتسم قلقاً وهو يشير إلى الزقاق قائلا :
تعال لنرى والعين خير شاهد
نزلنا معا، فإذا بمشهد غريب على حيينا لم يمر يوماً في مخيلتنا، وفاق كل توقعنا
أم زينب، المرأة ذات الوجه المرهق الذي عهدنا التعب يثقل ملامحه، تقف في منتصف الطريق توزع الشربات بابتسامة مشرقة لم تكن مجرد حركة للشفاه، بل انعكاساً لفرح ينبثق من الأعماق
أبو عبده يمد الأكواب للمارة كأنه يوزع عليهم الحياة لا شربات وضحكاته تعانق الهواء.
وعم صابر الحلواني يلوح بسكينة ويقطع من صواني البسبوسة والكنافة، ويصيح “اليوم الحلوى بالمجان!”
أما شحته الفران، فقد رص أكياس العيش الساخن على طاولة خشبية، ويدعو الناس: ” كسبونا ثواب!”
بين الأزقة، ركض الأطفال كالعصافير، وازدانت الشرفات بزغاريد النساء بأصوات تتباري في القوة وكأن مسابقة أجريت بينهن، حتى القطط بدت وكأنها تعرف أن هناك فرح غير معتاد، فتسارعت بين الأرجل في انسجام مع الإيقاع.
اقتربت من طفل صغير يجلس على حافة الرصيف، عيناه الواسعتان تلمعان بالدهشة، فسألته:
ما الذي يحدث؟ أعرس هذا؟ من العريس؟
ابتسم في براءة وقال: هذا عرس النور
ثم جاء رجل من بين الناس، عيناه تلمعان بالحماس، وقال بصوت يعلو فوق كل الضوضاء:
الرجالة عملوها ودخل النور الزقاق!
ترددت العبارة كرجع صدى، تمازجت مع الزغاريد والضحكات، حتى صار الحي بأكمله أغنية واحدة.
عندها أدركت: لم يكن هنا عريس ولا عروس، بل حي بأكمله يزف لنا نوراً طال انتظارها.