
كتب – محمد السيد راشد
قبل دقائق من السحور، ليلة أمس الثلاثاء 18 رمضان الموافق 18 مارس كانت غزة غارقة في سكونٍ ثقيل، كأنها تحاول سرقة لحظات من الراحة وسط معاناتها المستمرة. كان الأطفال نائمين، يلتمسون الأمان بين أذرع أمهاتهم، وكانت البيوت تتنفس بهدوء، غير مدركة أن الموت يقترب.
اللحظات الأخيرة قبل القصف:
دون سابق إنذار، انشق الليل على هدير الطائرات، وانفجرت السماء بموجات من الصواريخ التي مزقت قلب المدينة. هزت الانفجارات المنازل، وتهاوت الجدران على ساكنيها، ليصبح الفراش قبراً والأحلام شهادة ميلاد للموت.
في لحظات، امتلأت الشوارع بالغبار والدخان، وارتفعت أصوات الاستغاثة، بينما اختلطت رائحة رمضان بروائح الدم والبارود. حصيلة القصف:
170 شهيدًا، بينهم عشرات الأطفال والنساء.
أكثر من 300 جريح.
لم يكن هؤلاء مقاتلين، بل كانوا نائمين، يحلمون بسحور بسيط، وفي انتظار يوم آخر في وطن منهك.
صور من الحرب:
أطفال لم يعرفوا معنى الحرب إلا من قصص آبائهم، كانوا في لحظة من الزمن داخل أرقام نشرات الأخبار.
أمهات كن يجهزن موائد السحور ووجدن أنفسهن يبحثن عن أطفالهن تحت الأنقاض.
آباء عادوا إلى بيوتهم ليجدوا الفراغ والموت بانتظارهم.
أشلاء تحت الركام:
في أحد الأزقة، وقف مسعف عاجزًا أمام جسد طفلة لا تزال تمسك بدميتها، كأنها كانت تحاول الاحتماء بها من القصف. في زاوية أخرى، كان أب يحتضن جثة زوجته وطفله، يهمس لهم بكلمات وداع لم يسمعها أحد.
لم يكن هذا قصفًا على مواقع عسكرية، بل كان اغتيالًا للحياة، قتلًا للضحكات الصغيرة، وتدميرًا لمنازل كانت تحوي قصص الحب والبساطة والصبر.
غزة التي اعتادت الحرب:
بعد القصف، عمّ المكان سكون مريب، ليس سكون الراحة، بل سكون مدينة تلملم جراحها من جديد، تحصي شهداءها، وتدفنهم قبل أن تجف دموع الأمهات. غزة التي اعتادت الموت لا تموت، تنهض من تحت الركام، تعيد بناء بيوتها، وتزرع في كل قبر قصة لا تنتهي، وحلمًا لا يمكن للصواريخ أن تمحوه.