فايد أبو شماله يكتب: حكومة الحرب الإسرائيلية أقرب إلى الهزيمة

بقلم / فايد أبو شماله *
الطريقة التي يتصرف بها المحتلون ومن حولهم لن تساعدهم على تحقيق ما يتوعدوننا به ولا يبدو أنهم قد استخلصوا العبر مما حدث حتى الآن طوال تسعة عشر شهرا بل يصرون على تكرار نفس الأخطاء بينما لا تتوفر لديهم نفس بيئة الحماية التي كانت من قبل وهو ما يجعلهم أقرب للهزيمة والسقوط في شر أعمالهم
وهذه ثلاثة أخطاء كبرى على وشك أن تحدث:
أولا: التمسح بالدين وربطه بالإبادة
العملية التي بدؤوا بها تحت اسم عربات جدعون ليست سوى محاولة لاستنساخ رواية توراتية والهدف منها إقناع اليهود بأن هذه الحكومة المتطرفة إنما تدافع عن الديانة اليهودية وليس عن نتنياهو وقطبي حكومته بن غفير وسموتريتش.
وهي محاولة لن يكتب لها النجاح في ظل الانقسام الحاد في المجتمع الصهيوني واصطفاف اليساريين والعلمانيين المعارضين في مواجهة مع المتدينين لأسباب بعضها يتعلق بالمنافسة السياسية ولكن بعضها الآخر له علاقة بالخدمة العسكرية حيث يرفض المتدينون الانضمام للجيش ويحصلون على امتيازات بديلة بينما ينخرط العلمانيون ويقتلون ويقعون في الأسر ولا يبالي بن غفير وسموتريتش بمصيرهم في الأسر أيضا، ولا يملك نتنياهو إلا السكوت ليحافظ ائتلافه
سيقول قائل ما المشكلة في ذلك وهو أمر مستمر منذ بداية الطوفان؟
المشكلة أن العملية الحالية “عربات غدعون ” ليست كسابقاتها فلم ينجحوا في تجنيد ما يلزم من قوات الاحتياط ولن يكون دخولهم أي منطقة في القطاع بلا خسائر كبيرة سواء في القوات الغازية أو من الأسرى الذين سيتعرضون للهلاك المحقق كلما اقتربت هذه العربات المدمرة منهم
ولن يحتمل أهالي الأسرى ولا الجنود الغزاة – كونهم من غير المتدينين- أي موت جديد بعدما تبين بدون شك أن هناك طريقا أسهل وأسرع وأسلم لتحريرهم لو استجاب نتنياهو وفريقه للنصائح ولكن ذلك لن يحدث
وهنا تأتي النقطة الثانية
ثانيا: إعدام الخيارات
يضع الأقوياء عادة عدة خيارات قبل الإقدام على خوض المعارك والحروب، ممكن تسميتها خطط بديلة أو طرق التفافية ومخارج للطواريء.
لكن الضعفاء ليس لديهم مثل هذه الرفاهية وهذا هو الحال بالنسبة لنتنياهو وعصابته فأي خيار بديل بالنسبة لهم غير ممكن ولا مقبول وقد حاول الوسطاء ومنهم أصدقاؤه المقربون مثل ويتكوف فتح الآفاق قليلا وصياغة مقترح يسمح بالخروج إلى مساحة أخرى وتالية وتحقيق ما أمكن وإعادة التموضع وهكذا لكن هذا كله اصطدم بعجز عن التفكير ورفض منقطع النظير لأي احتمال آخر فقد أضحى نتنياهو محشورا في زاوية ضيقة من الأفكار وليس أمامه سوى طريق واحد هو طريق غدعون وهو ممر إجباري محفوف بالمغامرات وقد لا تتكرر فيه حكاية التوراة كما يريدها حفنة من المجانين غير المبالين بالنتائج وهنا سيدخل كبرى معاركه بخيار وحيد
ثم ماذا ؟
ثالثا: إهمال غضب الأرض
حجم الدماء التي سفكت على أرض غزة وهي بقعة جغرافية صغيرة في تتابع رهيب لم يسبق له مثيل في أي بقعة أخرى من العالم، وهو ما يجعل هذه الأرض في أقصى درجات الغضب والاستنفار فلم يعد هناك متسع للاحتمال، وأنا هنا لا أتحدث عن الغيبيات وتدخل القوى الخارجية – ونحن نؤمن بها وبدورها الحاسم- بل أتحدث عن منطق الحروب التي تصل فيها الجيوش بسبب الغرور أو النشوة إلى نقطة تنقلب فيها الموازين وتتفجر فيها مفاجآت قد تساعد عليها الأرض أو الأجواء إذا ما اتفق ذلك مع إرادة السماء وقد حصل ذلك عبر العصور وفي كل المناطق ويبدو أن احتمال تكراره في مثل هذه الأحوال أمرا لا ينبغي تجاهله.
وماذا بعد؟
هزيمة الأشرار
كما قلت في البداية لسنا قريبين من الانتصار فكل المؤشرات والدلائل تشير إلى فرق كبير في ميزان القوة وقد أثبت هو أن لديه آلات للقتل لا تتوقف وقادرة على الاستمرار وقد نجح في قتل عشرات الآلاف وتدمير كل شيء.
ومن المنطق أن من يفعل ذلك يكون قادرا على ادعاء الانتصار إذا أراد ذلك وأن يدير المعركة بطريقة تحقق أهدافه ومصالحه بدلا من الاستمرار في ارتكاب نفس الجرائم مرات ومرات وإغلاق كل الأبواب بدلا من تصميم مشهد الختام.
وبما أنه لم يفعل ذلك وهو قادر عليه، فلن يفعله عندما تتغير أحواله بعد دخول أول نفق من أنفاق الهزيمة.
فايد أبو شماله
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني