فتاوى المفطرات المعاصرة..حكم بخاخ الربو ونقط الأنف وغيرها (1)
بقلم / الدكتور محمد النجار
الصيام أحد أركان الاسلام ، ولا يعلم أجر الصيام إلا الله سبحانه وتعالى ، فقد ورد في الحديث :عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
((قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ)) رواه البخاري في صحيحه ج2 ص226.
فإذا كانت الحسنة يتم مضاعفتها حتى سبعمائة حسنة ، فإن أجر الصوم قد جعله الله عنده أعظم من ذلك ولم يُطلع عليه أحد ، وسَيفاجأ الصائم بهذا الأجر العظيم عند لقاء الله ..
ولهذا الأجر العظيم للصوم يحرص المسلم على معرفة المفطرات التي تؤدي الى فقدانه هذا الأجر العظيم ، ونكشف في هذا المقال بعض الأحكام التي ساعد الطب الحديث والتشريح في كشف حقيقة الحكم عليها بأنها مفطرة أو غير مفطرة فربما كان الحكم عليها سابقا بأنها مفطرة ، بينما تغير الحكم في ضوء ماكشف عنه الطب والتشريح.
بخاخ الربو :
يستخدمه مرضى الصدر ، ويحتوي على ثلاث عناصر :
ا) مواد دوائية
ب) اوكسيجين
ج) ماء
ويتم استخدامه بأخذ شهيق عميق عند الضغط على البخاخ فيتطاير الرذاذ ويدخل الفم ثم ينتقل البلعوم ثم القصبات الهوائية وقد يبقى جزء منه في البلعوم وتنتقل كمية قليلة جدا الى المرئ
حكم بخاخ الربو :
ذهب أكثر الفقهاء المعاصرين إلى أن بخاخ الربو لا يُفطر ولا يُفسد الصوم ، وقد أخذ بهذا الرأي الشيخ عبدالعزيز بن باز (مجموعة فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز15/265) ، والشيخ بن عثيمين (مجموعة فتاوى الشيخ بن عثيمين19/209) والشيخ بن جبرين .
وتستند فتواهم إلى :
- أن البخاخ يتبخر ولا يصل الى المعدة ، إنما يصل الى القصبات الهوائية.
- أن الداخل من بخاخ الربو الى المعدة قليل جدا فلا يفطر قياسا على المتبقي من المضمضة والاستنشاق.
- أن دخول شئ الى المعدة من بخاخ الربو أمر ليس قطعيا بل مشكوك فيه بمعنى أنه قد يدخل وقد لايدخل ، والأصل صحة الصيام ، واليقين لايزول بالشك .
- بخاخ الربو لايشبه الأكل والشرب ولا في معناهما .
حُكم الترجيح :
ان بخاخ الربو لا يُفطر ، ولا يفسد الصوم.
بخاخ الأنف
حكمه هو نفس حكم بخاخ الربو عن طريق الفم.
حكم قطرة الأنف
من المؤكد أن الأنف منفذ الى الحلق بدليل الحديث النبوي والتشريح الطبي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)).
حُكم قطرة الأنف :
اختلف الفقهاء المعاصرون على قولين :
القول الأول : ان قطرة الأنف لاتفطر ، وقال به الشيخ هيثم الخياط ، والشيخ عجيل النشمس في مجلة المجمع الفقهي 4دد10جزء 2 ص399 وص 385 ، واستندوا في ذلك الى :
1) أن الدواء الذي في القطرة مع كونه قليل جدا فهو أقل من يصل من المتبقي من المضمضة والاستنشاق
2) أن غشاء الأنف يمتص معظمم تلك القطرة ، ولا يصل الى المعدة إلا القليل الذي لايتعدى المتبقي من المضمضة.
القول الثاني : أن القطرة في الأنف تُفطر ، وقال به الشيخ بن عيثيمين و الشيخ بن باز إلا أن الشيخ بن باز علق حكمه بعبارة إذا وُجد طعمها في الحلق، وبهذا يقترب حكمه مع القول الأول .
الترجيح في قطرة الأنف :
أن قطرة الأنف لا تُفطر حتى لو وصل منها شئ الى المعدة لأنها ليست أكلا ولا شربا ولا في معناهما ، كما أن الذي يصل منها المعدة أقل بكثير من المتبقي من المضمضة .(كتاب مفطرات الصيام المعاصرة ص24-25)
قطرة الأذن :
اثبت الطب والتشريح أنه لا توجد قناة بين الأذن والجوف ، فلا تصل أي مادة في الأذن الى الحلق والجوف إلا إذا كان يوجد خرق في طبلة الأذن .
وبناء علي ذلك فإن قطرة الأذن لاتفطر ولا تفسد الصوم لأنه لايصل منها شئ الى الجوف .
غسول الأذن :
حكم غسول الأذن هو نفسه حكم قطرة الأذن ، لايفطر ولايفسد الصوم ، فإنه لا منفذ بين الأذن والجوف إلا إذا كانت طبلة الأذن مخروقة .
وقد حدثني طبيب الأنف والأذن والحنجرة بأنه لايتم اصلا غسيل أذن بها خرق .
قطرة العين :
قال اكثر أهل العلم أن قطرة العين لا تُفطر ، ومنهم الشيخ عبدالعزيز بن باز (مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز 15/260)والشيخ بن عثيمين (مجموع فتاوى الشيخ بن عثيمين19/206) وشيخ الاسلام وغيرهم .
ويستندون في ذلك الى :
1) جوف العين لايتسع سوى لقطرة واحدة حجمها قليل جدا ، فهو أقل من القَدْر المتبقي من المضمضة والاستنشاق .
2) أن هذه القطرة يتم امتصاصها اثناء مرورها في القناة الدمعية ولا يصل شئ منها الى البلعوم .
3) الطعم الذي يشعر به المريض في الفم ليس لأن القطرة وصلت الى البلعوم ، إنما ألة التذوق الوحيدة هي اللسان ، فعندما تُمتص هذه القطرة تذهب الى مناطق التذوق في اللسان ،يشعر بها المريض ، هكذا قرر الاطباء ،وهذا حاسم في مسالة الحكم بأنها ليست مفطرة .
4) قطرة العين لاتفطر لأنها ليست منفذا للأكل والشرب .
وبناء عليه يكون حكم قطرة العين أنها لاتفطر.
غاز الأوكسيجين
هو هواء لايحتوي على أي مواد مغذية ويذهب الى الجهاز التنفسي ، مثل الاوكسيجين الذي يستخدمه حاليا مرضى كورونا كوفيد19 ، فهو لايفطر لأنه لايخرج عن كونه هواء مركز يتنفسه المريض مثل الهواء الطبيعي الذي يتنفسه البشر .
حُكمه :
ليس مفطرا أو مفسدا للصوم ، لأنه هواء مثل الهواء الذي يتنفسه الانسان .
الأقراص التي توضع تحت اللسان
هي أقراص دواء يتم وضعها تحت اللسان لمنع الذبحات الصدرية والتجلطات في القلب . وأثبت الطب الحديث أن منطقة ما تحت اللسان تعتبر من أسرع المناطق امتصاصًا للعلاج في الجسم .
، وهي تُمتص مباشرة بعد وضعها تحت اللسان بوقت قصير ويحملها الدم مباشرة الى القلب ، فتتوقف الأزمة القلبية المفاجئة أو ينخفض ضغط الدم المرتفع بشدة ، ولا يصل شئ من هذه الأقراص الى الجوف .
حُكم الأقراص تحت اللسان :
لا تؤدي هذه الاقراص الى تفطير الصائم إذا تجنب المريض التخلص لأنه لايدخل منها شيئا الى الجوف ، بل يتم إمتصاصها في الفم الى القلب ، كما أن هذه الاقراص ليست أكلاَ ولا شربا ولا في معناهما. ويجب التخلص من أي شائبة قد تبقى منها في الفم ، وغالبا تم تجهيز هذه الاقراص للامتصاص الكامل دون أن تترك أي مواد تعلق في الفم .
أخيرا ..أدعو الله أن يلهمنا الصواب في الفكر والقول والعمل ، ونرجو المشاركة في النشر لاستفادة أكبر عدد من تلك التيسيرات وتخفيف عبادة الصوم لعل الله يتقبل منا ومنكم ويجعلها في ميزان حسناتنا جميعا .. وبإذن الله نلتقي في الجزء الثاني من المفطرات المعاصرة ومزيد من الاستفادة.