فتح المنان في بيان واجبنا نحو القرآن
كتب/هاني حسبو.
ما أحوجنا إلى القرآن!
ما أحوجنا إلى التعامل الصحيح مع هذا الفرقان!
كم من مسلم لا يعرف قيمة القرآن؟
كم من مسلم لا يقدر القرآن حق قدره؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات واضحة وشافية.
بداية نلقي الضوء على طرف من قيمة وأهمية القرآن للأمة الإسلامية.
نجد في بداية المصحف وأول سورة البقرة يخبرنا الله تعالى بهذا الخبر العاجل والأهمية العظمى:
( ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
ثم يزيد الله تعالى الأمر بيانا بعد ذلك بقوله :( إن هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾
فلا هداية ولاهدى بدون القرآن.
ثم يصور لنا القرآن هذا المشهد العجيب في كيفية تعامل الجن حينما سمعوا القرآن وكيف أنهم فهموا المقصد والغاية من انزال القرآن:
(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾[ الأحقاف: 29-32.
ويوضح النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة خير الناس وأحسنهم فيقول كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم:
(خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) (صحيح البخاري)
فهذا أفضل الناس وخيرهم من يتعلم ثم يعلم القرآن.
وعند تتبع الايات والأحاديث نجد أن الله سبحانه وتعالى سمى كتابه بأرفع وأفضل الأسماء.(تبارك الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]. ووصفه الله تعالى بقوله:﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود:1]، وقوله: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42]، إلى غير ذلك من الصفات التي تدل على عظمته ومنزلته وقدره..
كل هذه النصوص تدل على عظم وشرف القرآن.
فإذا كان هذا القرآن بهذا الشرف وهذه القيمة كان لابد للمسلم أن يكون له واجب تجاه هذا الدستور العظيم ومن هذه الواجبات:
تعلمه وتعليمه تعظيمه وقراءته وتدبر آياته
فالمداومة على قراءته ومدارسته، فإن أفضل الناس من يتعلم القرآن ويعلمه، لحديث عثمان بن عفان رضى الله عنه، عَن عُثْمانَ بن عَفَّان رضى الله عنه عَنِ النَّبيِّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَاْلَ: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رواه البخاريّ (4739.
فالقرآن الكريم مُكَوِّنٌ أساسيٌّ من مكونات الشخصية المسلمة، فمنه يستمد المسلم تعاليم دينه وآدابه، فعلى المسلم أن يسعى إلى تعلم قراءته جيدًا، وهذا الأمر ليس عسيرًا.
فمن أعظم حقوق القرآن على الأمة التي أنزل الله على نبيها القرآن آن تقرأ القرآن بتدبر بتفهم بتعقل: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [سورة محمد: 24] ] ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24] أي قد أُغْلِقَ على ما فيها من الشر، وأقفلت فلا يدخلها خير أبداً، هذا هو الواقع…وقال عز وجل: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، فإن أعلى أهل القرآن أجرًا هم الذين يقرؤون بألسنتهم ويتدبرون بعقولهم وقلوبهم، قال تعالى:﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29.
ومن واجبنا نحو القرآن الكريم ألا يقف عند تلاوته أو جمعه في الصدور أو حتى تدبره، إنما يتم بالتزام أوامره ونواهيه، بحيث يظهر هذا جليًا في أفعالنا وأخلاقنا كما كان رسول الله (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ) وأصحابه، فعلى المسلم أن يأتمر بأوامر القرآن الكريم وينتهي عن نواهيه، يقول النبي (صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ): «وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»[صحيح مسلم]، يكون حجة عليك حين تقرؤه فلا يتجاوز آذانك، ولا ينعكس على سلوكياتك وتصرفاتك، فرب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه. وقال الله تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [سورة طه، الآيات: 123- 127]، وقال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً ﴾
أسأل الله أن يجعل هذا الكلام حجة لنا لا علينا.