أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

فراق الأجساد ولقاء الأرواح ..تأملات بقلم د. أمين رمضان

يوسف أحمد أمين

على باب الدخول الخارجي لمطار الدوحة، توقفت السيارة التي تقلني للمطار، لكن لم يتوقف سيل الدموع في داخلي، لأنه يستحي أن يراه الناس، جاءت لحظة الوداع، أخذته واحتضنته بيدين من الحب والحنان، وانتظرت لعله يذوب أو يشف ويمتزج بروحي، ظننت أن حرارة الدموع كافية لتصنع هذا المزج، أفقت على اللحظة التي لابد من أن أعيده فيها إلى والديه، أعدته لهما ثم دلفت إلى المطار لاستكمال إجراءات السفر.

أنهيت الإجراءات ثم ذهبت إلى مكان هادئ، وتمددت على أحد الكراسي الشيزلونج مسترخياً، سلمت نفسي لموسيقى تساعد على الاسترخاء، أغمضت عيني لأحلق مع الإيقاع الهادئ على أوتار نفسي، لعلها تحلق معها في سماء النغم الشفاف، لكن هيهات، اكتشفت أنني عندما تركت حفيدي يوسف أحمد أمين مع أبويه، تركت جسده، وسافرتْ معي روحه، لا أدري الآن كيف أعرف روحي من روحه، هل امتزجتا؟!!! … ربما، هل شفت روحي خلال الأسبوع الذي قضيته معه، فأصبحت طفولية إلى هذا الحد الذي خدعني وظننتها روحه؟!!! … لا أعتقد.

وجدت نفسي أُخرج اللابتوب وأكتب هذه الكلمات التي تنساب في سلاسة لم أعهدها، والهدوء يخيم على المكان، والنداءات التي تعلن عن مواعيد صعود الطائرات تقطع السكون بلا استئذان، لتنتقل الأجسام من بلد إلى بلد آخر، وأنا أنتظر دوري، لأنساب في هدوء داخل الطائرة التي ستقلني لمطار البحرين، ومنها بالسيارة إلى الظهران، ليلفني سكون البيت مرة أخرى، لكن هذه المرة لن أكون وحدي روحاً، وإن كنت وحدي جسداً.

سألت نفسي: ما هذا الحب النوراني الذي لم أتذوقه من قبل؟، هل هو نور الفطرة؟، عندما تستمده من النبع الرباني مباشرة، توقفت لحظات لأجيب على هذا السؤال لكني لم أستطع، فتركت الإجابة التي بحث عنها عقلي، لأتذوق الوجد الذي اشتعل في قلبي وروحي، قلت لنفسي: دعيني أعيش هذه اللحظة الحلوة، وأتذوق جمال المشاعر الفطرية الندية.

ثم جاء نداء الصعود للطائرة، كمطرقة شديدة حطمت كل الأحلام التي رفرفت داخلي، لأدخل بطن الطائرة، التي ستقذف بي إلى بطن الدنيا، بكل ضجيجيها ولهوها، بكل ضوؤها الزائف الذي لا يتعدى العين، إنه نور الدنيا، أما نور النفس والروح فإنه يأتي من داخلها، عندما تشحن بطاريتها من محطات الفطرة.

الدكتور أمين رمضان
aminghaleb@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.