الصراط المستقيم

فضل العشر الأواخر وتحرى ليلة القدر

كتب – وليد على

فضل الله سبحانه وتعالى بعض الشهور على بعض و بعض الايام بعضها على بعض .

فكان شهر رمضان افضل شهور العام و العشر الاواخر فيه اشرفها وجعل فيها ليله القدر .

وجاء فى الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها. (رواه أحمد ومسلم والترمذي .

وعن عائشة رضى الله عنها قالت: كان إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله .

وشد المئزر كناية عن الاجتهاد في العبادة، يُقال للمجتهد في أمر: شمر عن ساقيه، كما يكنى به عن اعتزال النساء .

قولها: “أحيا ليله” (عبرت عائشة عن القيام بالإحياء، دلالة على أن الأوقات التي لا تغتنم في طاعة الله تعالى أوقات ميتة)، أي أحياه كله بالقيام والتعبد والطاعة وقد كان قبل ذلك يقوم بعضه، وينام بعضه .

ومعنى “أيقظ أهله”: أي زوجاته أمهات المؤمنين، ليشاركنه في اغتنام الخير والذكر والعبادة في هذه الأوقات المباركة؛ وبهذا يعلمنا أن يذكر المسلم أهله وأسرته بالخير .

ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد في العشر الأواخر: اعتكافه فيها في المسجد، متفرغًا لعبادة الله تعالى.

قالت عائشة رضى الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده

والاعتكاف: عزلة مؤقتة عن شواغل الحياة، وإقبال بالكلية على الله تبارك وتعالى، والأنس بعبادته .

وذلك لأن هذه العشر، هي ختام الشهر المبارك، والأعمال بخواتيمها؛ ولهذا كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: “اللهم اجعل خير أيامي يوم ألقاك، وخير عمري أواخره، وخير عملي خواتمه”

وأن فيها ليلة القدر المباركة المفضلة أرجح ما تكون فيها، بل صحت الأحاديث أنها تلتمس فيها .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)  وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)

وعَظَّمَ القرآنُ شأنَ هذه الليلة، فأضافها إلى “القدر” أي المقام والشرف، وأي مقام وشرف أكثر من أن تكون خيرًا وأفضل من ألف شهر. أي الطاعة والعبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وألف شهر تساوي ثلاثًا وثمانين سنة وأربعة أشهر، أي أن هذه الليلة الواحدة أفضل من عمر طويل يعيشه إنسان عمره ما يقارب مائة سنة، إذا أضفنا إليه سنوات ما قبل البلوغ والتكليف .

وهي ليلة تتنزَّل فيها الملائكة برحمة الله وسلامه وبركاته، ويرفرف فيها السلام حتى مطلع الفجر.

وجاءت أحاديث كثيرة في فضل ليلة القدر، والتماسها في العشر الأواخر ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه” .

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها، فيحرم المسلم من خيرها وثوابها.

فيقول لأصحابه، وقد أظلهم شهر رمضان: “إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِم الخيرَ كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم”

وعن ام المؤمنين عائشة  رضى الله عنها قالت: كان رسول الله يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: “تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان”

ومعنى “يجاور”: أي يعتكف في المسجد، والمراد بالوتر في الحديث: الليالي الوترية، أي الفردية، مثل ليالي: 21، 23، 25، 27، 29. وإذا كان دخول رمضان يختلف – كما نشاهد اليوم – من بلد لآخر، فالليالي الوترية في بعض الأقطار، تكون زوجية في أقطار أُخرى، فالاحتياط التماس ليلة القدر في جميع ليالي العشر.

وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج إليهم صبيحة عشرين فخطبهم، وقال: “إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها – أو نسيتها – فالتمسوها في العشر الأواخر، في الوتر” (متفق عليه، المصدر نفسه -724).

وفي رواية: “ابتغوها في كل وتر”

وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى”.

ويتأكد التماسها وطلبها في الليالي السبع الأخيرة من رمضان، فعن ابن عمر: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أرى رؤياكم قد تواطأت (أي توافقت) في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر”

ولله حكمة بالغة في إخفائها عنا، فلو تيقنا أي ليلة هي لتراخت العزائم طوال رمضان، واكتفت بإحياء تلك الليلة، فكان إخفاؤها حافزًا للعمل في الشهر كله، ومضاعفته في العشر الأواخر منه، وفي هذا خير كثير للفرد وللجماعة. وهذا كما أخفى الله تعالى عنا ساعة الإجابة في يوم الجمعة، لندعوه في اليوم كله، وأخفى اسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب؛ لندعوه بأسمائه الحسنى جميعًا.

روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين (أي تنازعا وتخاصما) فقال: “خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت (أي من قلبي فنسيت تعيينها وعسى أن يكون خيرًا لكم )

وقالت عائشة رضى الله عنها : أرأيت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟.

فقال: قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني” (رواه ابن ماجه والترمذي )

فليلة القدر ليلة عامة لجميع من يطلبها، ويبتغي خيرها وأجرها، وما عند الله فيها، وهي ليلة عبادة وطاعة، وصلاة، وتلاوة، وذكر ودعاء وصدقة وصلة وعمل للصالحات، وفعل للخيرات.

وعلى المسلم ان يجتهد فى هذه العشر حتى يدرك ثواب هذه الليله العظيمه التى هى خيرا من الف شهر .

وفقنا الله وإياك الى طاعتة وحسن عبادة فى هذه العشر ورزقنا جميعا فضل ليلة القدر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.