في ذكرى وفاته الـ22..محمد عوض الكوميديان الفيلسوف.
محطات شخصية ومهنية في حياة الفنان الراحل.
عادل عوض: «والدي أعطى للمسرح العربي 100 عمل»
ماذا قدّم الراحل لعُمال السد العالي وللجنود في 1967 ؟
محمد عوض، الفنان والكوميديان الذي رحل عن عالمنا في 27 فبراير 1997، والذي برغم وفاته إلا أن سيرته الفنية لا تزال تحظى بالاحترام والتقدير من جمهوره.
ولد محمد عوض في 12 يونيو 1932، في حي العباسية بالقاهرة، واشتهر بثلاثيته مع نجوم مثل حسن يوسف ويوسف فخر الدين، واشتهر بتقديم الأدوار الكوميدية في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات، حصل على ليسانس آداب جامعة عين شمس عام 1957 وعلى دبلوم المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1962.
تزوج محمد عوض زميلته بالجامعه قوت القلوب عبدالوهاب مازن، وهى من أصول تركية من ناحية الأم، وأنجب أبناءه الثلاثة، وهم الممثل علاء عوض، والفنان عاطف عوض الذي احترف فن الاستعراض، والمخرج عادل عوض.
ويروي المخرج السينمائي عادل عوض، نجل الفنان الراحل محمد عوض، في ذكرى وفاته الـ22، العديد من تفاصيل حياة والده، فقد أوضح أن الفنان محمد عوض من مواليد حي العباسية بالقاهرة في 12 يونيو 1932، وتعود جذوره إلى محافظة الشرقية، وكان والده موظفًا، قائلاً: «أبي الأخ الأكبر والوحيد بين 3 بنات وأهم هواياته الكشافة وكرة القدم، وانضم لفرق الكشافة الملكية الرحلات والسفر والطبيعة والبحر، وهو ما كان له أثر كبير على شخصيته المتفتحة، وحلم حياته كان يتمنى أن يلتحق بالكلية البحرية، ولكنه أصطدم بوفاة والدته حينما كان عمره 18 سنة، وكان في الصف الثاني الثانوي»، وأشار إلى أن جده قد أكد على والده الفنان محمد عوض على ضرورة أن يتخلى عن حلمه بأن يصبح ضابط، لأنه سيكون العائل الوحيد لشقيقاته البنات بعد وفاته، وبعد عام من وفاة والدته توفى والده ليترك له مسؤولية أخواته البنات.
وكشف حياة الفنان محمد عوض العاطفية، فقال عادل عوض: «جمعته بوالدتي قصة حب خلال الدراسة الجامعية أثناء التنافس المسرحي، وقد تشابهت حياتهم كثيرة، فهي في نفس سنه، وتوفى والدها وعمرها 19 عامًا، بينما توفيت والدتها وعمرها 3 سنوات، وكانت والدتي حفيدة رياض باشا، رئيس الوزراء، وتعيش في قصر بجاردن سيتي، فأراد أبي أن يكون عش الزوجية بمستوى مناسب فاستأجر شقة بشارع طلعت حرب، وتقدم لها والدي وتزوجها».
وعن موهبة الفنان محمد عوض، يروي عادل عوض، أن والده كان يعشق التمثيل منذ الصغر، مشيراً إلى أنه قد شارك في فرق التمثيل المدرسية، حتى ألتحق بكلية الأداب قسم فلسفه، وحصل على المركز الثاني في مسابقة «القطر»، فلقب بعد ذلك بالكوميديان الفيلسوف، وأوضح أن والده من شدة عشقه للفلسفة كان يكتب على حوائط المنزل عبارات فلسفية ومقولات لأفلاطون وأرسطو، وأنه من خلال مدرسه انيس منصور تولى إنشاء فرقته المسرحية، وحقق وفرقته تفوقًا كبيرًا، حيث كان يستعين ببطلات فرقة الريحاني للمشاركة في المسرحيات التي تقدمها الفرقة، ومنهن ماري منيب، وزوزو وميمي شكيب، وحصل على العديد من الميداليات والجوائز خلال هذه الفترة، وتعرف خلالها على جيرانه الفنانين الذين سبقوه في النجومية، ومنهم توفيق الدقن وعبدالمنعم مدبولي.
وبخصوص أول من تبنى موهبة محمد عوض الفنية، قال عادل عوض، أنه الفنان بديع خيري، وخاصةً بعدما شاهد موهبته ووجده يحفظ كل أدوار الريحاني، وفى أحد الأيام غاب عادل خيرى، بطل الفرقة، بسبب مرضه، فقام محمد عوض بدور البطولة، وتألق، وتكرر هذا مع تكرار غياب الفنان عادل خيري.
وعن أول راتب تقاضاه الراحل من المسرح، قال عادل عوض، أنه تم تعيينه في فرقة الريحاني بمبلغ 7 جنيهات شهرياً، وهو ما ساعده إلى جانب الوظيفة في الإنفاق على شقيقاته، وتبنته الفنانة ماري منيب، ومنحته جزءًا من دولابها لأنه لم تكن له غرفة يغير فيها ملابسه، وكان يقوم بأدوار صغيرة.
أما عن مثله الأعلى، فقال أنه كان الفنان نجيب الريحاني، حيث كان يذهب الفنان محمد عوض إلى باب مسرح الريحاني ليراه يركب الحنطور ويظل يمشي إلى جواره حتى يصل الريحاني إلى بيته.
وعن بداية نجومية الفنان محمد عوض، قال عادل عوض: «مسرحية “جولفدان هانم” التي عرضها عليه الفنان عبد المنعم مدبولي، وحققت نجاحًا مذهلًا، ولأول مرة في تاريخ مسرح التليفزيون الذي تعرض فيه المسرحية ثلاثة أيام، ويتم تصويرها في اليوم الرابع، وامتدت هذه المسرحية لمدة شهر، والنقلة الكبرى في حياة أبي كانت بمسرحية “نمرة 2 يكسب”، التي لعب فيها 4 أدوار، وحققت نجاحًا غير مسبوق، وأصبحت أيقونة المسرح في الستينيات بما حققته من دخل وإيرادات، وبعدها تألق في عدد من المسرحيات، منها مسرحية “العبيط”، وحقق نجاحات غير مسبوقة في أعداد المتفرجين».
وكان الفنان محمد عوض أحد «الفرسان الأربعة»، فكان هناك عدد من نجوم الكوميديا تألقوا خلال هذه الفترة، وأطلق عليهم «الفرسان الأربعة للمسرح العربي»، وهم محمد عوض، وعبدالمنعم مدبولي، وأمين الهنيدي، وفؤاد المهندس، ولكن كان شباك التذاكر دائمًا في صف محمد عوض، الذى كان دائمًا الأول في المسرح.
وعن واحدة من أبرز المحطات في تاريخ محمد عوض، وتاريخ مصر أيضاً، قال عادل عوض: «والدي كان يذهب بفرقته مستقلًا قطار البضائع ليعرض للعمال والمهندسين في السد العالي لمدة 10 سنوات بدون أجر، حتى أنه مرض من شدة الحرارة والإرهاق، فأرسل له الدكتور عبدالقادر حاتم 3 أطباء بطائرة عسكرية لعلاجه، وفى المساء وقف على المسرح ليقدم العرض».
واستكمل: «أما بعد هزيمة 67 ارتدى والدي ملابس تشبه ملابس الجنود واصطحبني وذهبنا على الجبهة بالسيارة، والفلاحون يقفون قبل المنطقة الممنوعة ومعهم أقفاص الخضراوات والفاكهة يريدون توصيلها للجنود، وكان أبي يأخذ هذه الأقفاص ومعها جراكن مياه وينقلها بالسيارة مسافة 20 كيلو لتوصيلها للجنود بالسويس ويعود
ويعود بالعساكر الجرحى».
واستفاض: «كان والي يكتب لعمتي خطابات بمديونياته، وماله وما عليه من أموال، لأنه لم يكن يضمن أنه سيعود حيًا، وطوال فترة حرب الاستنزاف كان يذهب بفرقته على الجبهة ليقدم عروضًا للجنود، وسافر ليعرض للجنود في حرب اليمن».
وعن علاقته بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قال عادل عوض: «بعد نكسة 1967، اتجهت الدولة لتشجيع الفرق الخاصة، ووقتها كان والدي الأنشط والأكثر نجاحًا، فقررت أن تعطيه مسرح الزمالك بأمر مباشر من الرئيس عبدالناصر، وبإيجار شهري ألف جنيه، وكوّن محمد عوض فرقته الخاصة التي كانت من أوائل الفرق في تاريخ المسرح العربي، وقدّم مع فرقته أول موسم صيفي في المسرح العائم، بمسرحية “الطرطور”، ومعه نبيلة عبيد لأول مرة على المسرح، بعدما شاركته بطولة فيلم “السيرك”، الذى حصل فيه على جائزة أحسن ممثل، وحققت المسرحية نجاحًا مدويًا».
وعن واحدة من أكبر الأزمات التي واجهة الفنان محمد عوض، قال: «من أكبر الأزمات في حياة والدي، عندما أرادت الدولة أن تأخذ منه مسرح الزمالك سنة 1974، بعد النجاح الذي حققه، وبعد أن كان هذا المسرح لا يعرفه أحد، إلا بعدما أصبح مسرح محمد عوض، الذى أخذه رغم تحذيرات أصدقائه من الفشل، وبعد أن طمع عدد من زملائه في هذا المسرح، وتنافسوا للحصول عليه خلال مناقصة، فاضطر لدفع مبالغ كبيرة نظير الإيجار الذي أخذ يتصاعد حتى وصل إلى مليون جنيه، وكانت أزمة شديدة، فلم يكن ينام وهو يشاهد محاولات هدم كل ما بناه، ولا يعرف كيف يوفي هذه القيمة في وقت كان سعر التذكرة 2 جنيه، ووسط كل هذا كان يقاوم وينجح، وكانت الأزمة الثانية في حياته عندما أصيب بـ”فيروس سي” والسرطان في آخر 8 سنوات من حياته».
يُذكر أن الفنان محمد عوض، قد انطلق للعالمية،وذهب بفرقته ليعرض على مسارح أمريكا عام 1972، وعرض في 52 ولاية، كما ذهب إلى المكسيك، وأقام 3 حفلات في أكبر مسارح باريس ولندن، واليابان، وكلها كانت كاملة العدد.
أما عن علاقة الفنان محمد عوض بزملائه، فقال عادل عوض: «والدي وقتها عندما يرى أحد زملائه من النجوم الكبار، لم يحقق نجاحًا، يُنتج له مسرحية، سواء شارك أو لم يشارك بالتمثيل فيها، فأنتج لكل زملائه، حتى أن فؤاد المهندس طلب الانضمام لفرقته التي كانت أقوى فرقة في هذه الفترة، وبالفعل أنتج له والدى عددًا من المسرحيات، وأصبحت فرقة محمد عوض تضم العديد من النجوم، ولم تتوقف نجاحاته».
وعن محمد عوض الأب، قال عادل عوض: «كان أبي رجلًا إداريًا، يعمل 24 ساعة، سواء في المسرح أو في البيت، وكانت لديه 3 شركات إنتاج وتوزيع، “أفلام الجزيرة”، و”أفلام الوطن العربي” و”كوميك فيلم”، وشركة توزيع سينمائي، وكان يعمل طوال الوقت، أو يستقبل أقاربه الفلاحين الذين يأتون لطلب خدمات، كما كان يستقبل أصدقاءه الفنانين والأدباء الذين أطلقوا على بيتنا اسم البرلمان، حيث كان يجمع اليساري واليميني، وعمالقة الفن والأدب والإخراج، ويتناقشون في الفن والسياسة، ونشأنا في هذا الجو وتأثرنا به».
واستفاض: «وكان والدي يضع القوانين في البيت للمذاكرة واللعب والمصيف، ووالدتي تتحمل مسؤوليات الإدارة، وكان هناك ترابط وتفاهم شديد بين أبي وأمي، وكانت تترجم له المسرحيات لأنها تجيد 7 لغات، وتأخذنا لنشرف على نظافة ونظام المسرح، كما كنا نوزع خريطة مسرح الزمالك، الذى لم يكن يعرفه أحد وقتها، وأصيبت والدتي باكتئاب عندما عرفت أنه أصيب بالسرطان، ولم تستطع أن تعيش بعد وفاته وماتت في يوم الأربعين».
«شرارة».. أحد أبرز الشخصيات التي قدمها الفنان محمد عوض، في مسلسل «برج الحظ»، عام 1978، ويدور حول شخص يظن فيه الأخرين أنه منحوس، ويتسبب في تعرض الأخرين لنحسه دوماً، ولكنه يكتشف انه محظوظ في نهاية المسلسل، وعن تلك الشخصية يقول المخرج عادل عوض: «سارت شائعات غير صحيحة في تلك الفترة، وتشبه الشائعة التي تشير إلى أن والدي كان يهوى قراءة الفنجان، والمسلسل قد نجح نجاحًا كبيرًا، وكان والدى سعيدًا به، كما أن والدي كان علمانيًا ومثقفًا وصاحب فلسفة، ولم يخف من هذا الدور».
وفي السياق ذاته، كشف عادل عوض، أن والده لم يأخذ حقه في التكريم، قائلاً: «لم يذكر أحد من المؤرخين أنه الفنان الوحيد الذي صنع 100 مسرحية في تاريخ المسرح العربي، وكلها مسرحيات لها قيمة، لكبار الأدباء، مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وعلى أحمد باكثير، ويسري الجندي، بالإضافة إلى عدد من مسرحيات الأدب العالمي، وشعر والدى بهذا النكران فى حياته، ولم يتم تقديره».
وعن رحلة مرضه، قال عادل عوض: «كان والدي مكتئباً بعد معرفته بمرضه، ولكنه كان يعمل لآخر يوم في حياته، وقام ببطولة مسرحيتي “مساء الخير يا مصر”، و”صباح الخير يا مصر”، وقام ببطولة فيلم “أي أي” وهو يعانى من السرطان، وساعده المرض في هذا الدور، حيث فقد جزءًا كبيرًا من وزنه، حتى أن ليلى علوي حملته في أحد المشاهد، وفى أواخر حياته كان يُفضل العزلة، وأراد أن يقيم في بيت ريفي به مزرعة، لكنه عجز ماديًا عن تحقيق هذا الحلم».
واختتم: «وفي أحد الأيام، أصيب والدي بغيبوبة ودخل على أثرها الرعاية المركزة، وعندما أفاق سألني “أنا فين؟!”، فقلت له في غرفة الرعاية المركزة، فقال ساخراً “اسمها إنّ عاش!”، وضحك وقال “روحوا شوفوا شغلكم وخلي بالك من جميلة”، ومات بعد خروجنا من عنده».