الصراط المستقيم

فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ

بقلم/الدكتور محمد النجار

في لحظة تأمل عميقة في قصة نبي الله يوسف عليه السلام، تتجلى لنا معاني الصبر الجميل، والفرج الإلهي، والتعويض الرباني الذي يملأ القلب طمأنينة بعد الألم. كيف لا، وقد وصف الله هذه القصة بأنها “أحسن القصص”، لما فيها من دروس عظيمة في مواجهة كيد الأقربين، وثبات النفس أمام الفتن، واليقين بأن الخير فيما اختاره الله.

هل تأملت قول نبي الله يوسف:

(((فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾يوسف77

تساءلت في نفسي ، لماذا لم يبدها لهم؟؟ فرأيت أن الإنسان عندما يتألم بشدة ، ويشعر بقسوة أقرب الأقربين خاصة الذين أحسن إليهم ،تكون غصة الألم أشد قسوة..

فيأتيه الفرج العظيم في الدنيا قبل الآخرة. يستشعر الإنسان بكرم الله ورحمته ، فتصغر في عينيه قسوة البشر أمام رحمة الله به وفضله ونعمته التي تدفقت عليه ، فيقول بملئ فمه وقلبه الحمد لله الذي نجاني من كيد الكائدين وخسة الفجار والحاسدين.. ويردد بكل جوارحه الحمد لله الذي عوضني خيرا كثيرا بالصبر الجميل أمام تلك الابتلاءات. يستشعر أن ابتلاءات الدنيا والصبر عليها عاقبتها خير عند الله سبحانه وتعالى .. ويستشعر حقيقة الحياة ،، ويستشعر فضل الله عليه بالآية الكريمة..

(((وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗوَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا(20)))سورة الفرقان

(((وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)))سورة الانبياء35

(((إنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)))سورة الزمر10

وهذا يجعلنا نتأمل قول يوسف عليه السلام بعد كل تلك الابتلاءات الشديدة التي تعرض لها منذ طفولته من أقرب الأقربين وطوال حياته،وهو يتأمل فضل الله عليه :

(((رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ))) الآية101

ونتأمل قول الله تعالى في ختام السورة وهو سبحانه يُطمأن الانسان بأنه سبحانه يعلم مكر الماكرين وكيد الفجار والمستكبرين والحاسدين،وأن عاقبة مكرهم سيكون في نحورهم مهما طالت الأيام ، وأن عاقبة الخير للمؤمنين ، والفلاح والنجاة لأصحاب القلوب النقية والسلوك المستقيم.

(((ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)))سورة يوسف

إنها أحسن القصص كما سماها الله العزيز الحكيم

فالحمد لله الذي يُعوض الإنسان عن الابتلاءات تعويضاً إيمانيا يملأ قلبه إطمئنانا ، وتعمر حياته بالصبر الجميل بعاقبته الطيبة في الدنيا والآخرة. والحمد لله بالتعويض النفسي الشخصي والعائلي وصلاح الأبناء ونعمة الفهم لحقيقة الحياة وما فيها من آلام وآمال ، والحمد لله الذي يجعل الابتلاء خيرا للإنسان في حياته الدنيا ثم خيرا له في الآخرة .

كم من الخيرات جاءت في ثنايا الإبتلاءات

كم من الخيرات جاءت في ثنايا الإبتلاءات ، وكم من ابتلاءات دفع الله بها عنا شرورا مستطيرة ، وكم من البشر اكتشفنا معادنهم في ثنايا الابتلاءات.

الحمد لله في الثبات على الحق

الحمد لله الذي منحنا الصبر وثبتنا على اليقين بأن الأقدار بيده سبحانه ، وأن الخير هو مايختاره الله لنا . فكم من آلام تحققت بعدها أمال ماكنا نحسب لها حساب .

فاللهم يا ربِّ لَكَ الحمدُ كما ينبَغي لجلالِ وجهِكَ ولعَظيمِ سُلطانِكَ

د.محمد النجار 08-11-2025م الاحد 18جمادى الاولى1447هـ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى