قادة أفارقة يطالبون بالاعتراف بجرائم الحقبة الاستعمارية وتعويضاتها

كتبت – د. هيام الإبس
في خطوة تاريخية تحمل دلالات سياسية وقانونية عميقة، اجتمع قادة أفارقة في الجزائر ليطالبوا باعتراف رسمي بجرائم الحقبة الاستعمارية وتجريمها، إلى جانب وضع آليات لتعويض ضحاياها بدعم من الاتحاد الإفريقي. هذا التحرك يعكس رغبة القارة في مواجهة إرث الاستعمار الذي خلّف آثاراً اقتصادية واجتماعية ما تزال تلقي بظلالها على حاضر إفريقيا ومستقبلها.
الاستعمار كجريمة ضد الإنسانية
الاجتماع الأخير جاء امتداداً لقرار الاتحاد الإفريقي في قمته مايو الماضي، الذي صنّف الاستعمار كجريمة ضد الإنسانية، رغم أن القانون الدولي لم يجرّم هذه الممارسة بشكل صريح حتى الآن. القادة شددوا على أن الاستعمار لم يكن مجرد مرحلة سياسية، بل عملية نهب ممنهجة للثروات الإفريقية من ذهب وألماس ومطاط ومعادن، تركت الشعوب في دوامة الفقر والتهميش.
الجزائر.. ذاكرة استعمارية حاضرة
وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أكد أن انعقاد الاجتماع في الجزائر يحمل رمزية خاصة، كونها عرفت واحدة من أكثر تجارب الاستعمار عنفاً تحت الحكم الفرنسي. وأوضح أن التعويضات يجب أن تُفهم باعتبارها استحقاقاً قانونياً لا منّة سياسية، مستدعياً الذاكرة الجزائرية التي شهدت التهجير، التعذيب، والاختفاء القسري خلال حرب التحرير التي خلّفت مئات الآلاف من الضحايا.
إرث اقتصادي وثقافي منهوب
تقديرات حجم النهب الاستعماري تتحدث عن أرقام تصل إلى تريليونات الدولارات، وهو ما يفسر استمرار الأزمات الاقتصادية في العديد من الدول الإفريقية. كما يتصل ملف التعويضات بمطالب متصاعدة لاستعادة الممتلكات والآثار المنهوبة والمعروضة في المتاحف الأوروبية، مثل المدفع التاريخي “بابا مرزوق” الذي ما يزال محتجزاً في فرنسا.
الموقف الأوروبي والجدل المستمر
ورغم اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2017 بأن بعض جوانب الاستعمار ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، فإنه تجنّب تقديم اعتذار رسمي، داعياً الجزائريين إلى عدم “العيش في الماضي”. هذا الموقف لم ينهِ الجدل حول ضرورة الاعتراف والمحاسبة، بل زاد من حدة المطالب الإفريقية بالعدالة التاريخية.
معركة طويلة لانتزاع الاعتراف والإنصاف
بهذا الزخم الجديد، تستعيد إفريقيا صوتها في معركة طويلة لانتزاع الاعتراف والإنصاف، مؤكدة أن العدالة لا تقتصر على الماضي، بل هي شرط أساسي لبناء مستقبل أكثر توازناً. ومع استمرار النقاش العالمي حول الإرث الاستعماري، تظل القارة الإفريقية في قلب معركة الذاكرة والحقوق، مطالبةً بإنصاف شعوبها وتعويضها عن عقود من الاستغلال والنهب.





