قبل أن تسافر إلى الصين
تناولت في المقال السابق عشر ملامح أعتبرها عشر دروس وعبر من خلال زيارتي كباحث إلى الصين. وفي هذا المقال سأستكمل باقي الدورة والعبر، وهي:
الحادي عشر: الجامعة ستجدها مجتمع متكامل: بها الكليات ومباني الإدارة والمطاعم والأسواق والمحلات لكل شيء، ستجد فيها أماكن التنزه والخروج بعد أداء العمل أو حضور المحاضرات. ستجد أبواب غير مغلقة أربعة وعشرون ساعة، فقط تلتقط الكاميرا لوحة سيارتك فيرفع الحاجز وتدخل الجامعة أو أن دخلت على قدميك أو ركبت دراجة بخارية – تعمل بالكهرباء ولن تسمع صوتها- فلك باب أخر، مفتوح بإستمرار. ستجد لوحات إرشادية من أبواب الجامعة حتى المكان الذي تريد أن تذهب له. ستجد جامعات بها قاعات مجهزة على أعلى مستوى، وتقدم تكنولوجي ومستوى نظافة ممتاز، ومكاتب للدكاترة والمدرسين مستواها راقي جدا. ولن تسمع صوت الطلاب في قاعات المحاضرات أو المكتبات على الإطلاق، كل طالب في حاله، يدرس وفق رؤيته ومع نفسه ولن يزعج أحد ممن حوله. وانتبه فسؤال الدكاترة والطلاب والباحثين سيتكرر لك عن مصر وأحوالها، وعن مستقبلها، فكن حريص على التعبير عن بلدك بالشكل الذي يليق بها وبك.
الثاني عشر: ستنبهر إن زرت أكبر مكتبة عامة في الصين: ستجدها ممتلئة بالمواطنين من مختلف الأعمار، ولن تسمع صوت أحد، الجميع يقرأ ويتعلم في صمت، ودون إزعاج الأخرين. فضلا عن التقدم التكنولوجي الكبير والتوسع في إستخدامه في المكتبة، من سهولة ويسر الوصول للمعلومات والكتب والطباعة وسرعتها الفائقة، والإهتمام بذوي الإعاقة وتقديم خدمات متقدمة لهم، فضلا عن عمليات ترميم الكتب القديمة والحرص عليها. وإقبل ما يحصل عليه من هدايا من الكتبة بإبتسامة. وإن كنت مصري فستسأل عن وجود مكتبة مثيلة في مصر، فلتكن إجابتك، لدينا مكتبة الأسكندرية، التي أأمل أن تستفيد من مكتبة جانجو.
الثالث عشر: تعلم من الإختلاف والتباين بين الزملاء: إن حالفك الحظ وتواجد معك باحثين من دول بينهم نزاعات أو خلافات أو قضايا شائكة، فتعلم كيفية إحترام وطنك والدفاع عنه أمام الأخرين. فتواجد معي باحث من أذربيجان وأخر من أرمينيا، الأول، متفهم ومرحب ومتعاون وفخور بوطنه جدا، والثاني، لا يجلس على نفس الطاولة أو يتحدث مع الأول، ويفخر بدولته أشد فخر. فيا مصري يا عربي في الخارج عش وافخر بوطنك وتحدث عنه بكل خير، مهما وجد اختلاف داخله في الرأي، ففي الخرج لن تحل قضايا وطنك.
الرابع عشر: أنصحك قبل سفرك للخارج: إقرأ جيدا تاريخ وطنك، وعلاقاتها بالدولة التي ستزورها، على كافة المستويات. فقد تجد فاكهة محددة يقال لك أنها من مصر، فلتبادر وتقول أن هذه الفاكهة من وطني مصر مثلا. أن حضارتك تكاد تكون أقدم الحضارات في التاريخ فكون على قدر عظمتها. ستجد الأسئلة من كل صوب وحدب عن مصر الماضي والحاضر والمستقبل.
الخامس عشر: فخر بتاريخهم: ستجد في الصين، المواطنون فخورون بتاريخ وطنهم، يحدثونك عنه بكل فخر وعزة، وحرص عليه، والإتجاه نحو المستقبل الأفضل. فتعلم منهم درسا في حب تاريخ وطنك، وكيف تتحدث عنه.
السادس عشر: تعلم إحترام قياداتك وتقديرهم: عندما يأتي الحديث عن أحد القيادات في الصين الحاليين أو السابقين- فتعلم الدرس التالي- لن تسمع إلا الفخر والإعتزاز والتقدير لجهودهم، ولسعيهم في تحقيق الحلم الصيني.
السابع عشر: لن تجد أي مظهر ديني في الصين: أن كنت مسلم أو غير مسلم فلن تجد أي مظهر ديني إلا في المعابد فقط، وأمامها لن تجد أي مظهر ديني. وستجد في أحد المعابد- إن حالفك الحظ وزرته- تجمع للعديد من المعابد لدول الجوار. في مظهر تقارب وود وتقدير لبعضهم البعض.
الثامن عشر: إحرص على أخذ نقود الدولة التي ستزورها قبل السفر: في الصين للأسف رغم الصورة الذهنية الجيدة التي رسمناها بأنفسنا عنها، ورغم التاريخ الممتد بين مصر والصين وحجم العلاقات الإقتصادية بين الدولتين، ستجد صعوبة شديدة- إن لم تكن إستحالة- في تغيير عملتك المحلية للعملة الصينية. وستضطر للتحويل من عملتك المحلية للدولار الأمريكي، ثم تحويل الدولار ليوان صيني. فأدعو القيادة الصينية للنظر في هذا الأمر.
التاسع عشر: إحرص على تعلم بعض الكلمات الصينية قبل سفرك: لتيسير التعامل في المطارات الداخلية، وإن لم تقابلني أي متاعب في وجود بعض الموظفين ممن يتكلمون الإنجليزية. ولن الكثير منهم لا يعرف الإ الصينية. لذا لا بأس أن تعلم بعض الكلمات أو الجمل أو حتى كتابتها والإحتفاظ بها لتيسر على نفسك وعلى المتعاملين معك التعامل والتفاهم.
العشرون: تواجد عربي هزيل: لا تستغرب أن وجدت نفسك المصري والعربي الوحيد ضمن باحثين شباب من مختلف دول العالم، و سيكون سؤالك أين العرب في الصين؟ ففي أحد المؤتمرات في بكين لن تجد سوا أنت وشخصية عربية وحيدة في هذا المؤتمر تبحث عن عرب آخرين. حالفني الحظ إذ تواجد معي باحث عماني واعد يعرف الصينية بطلاقة، وعاش في الصين مدة طويلة. فأدعو الباحثين العرب بمزيد من الإهتمام بالشأن الصيني. كما أدعو الحكومة الصينية لتوسيع دائرة الإهتمام وتعريف الشباب بالصين.
وفي الختام هذه نقاط سجلتها خلال زيارتي للصين، أود في الختام أن اتوجه بالشكر لوزارة الثقافة الصينية وجامعة جانجو وكلية الإدارة العامة بها والأكاديمية الدولية للعلوم الإجتماعية وكافة المؤسسات التي تعاونت معنا. وأخص منهم بالذكر الدكاترة والمدرسين والمتطوعين الذين ساعدونا كثيرا. ولا أنسى فضل أستاذي معالي السفير د.محمد نعمان جلال على مساعدته وتوجيهاته ونصائحه لي. كما أتضامن مع دعوة أستاذي للباحثين العرب للإتجاه لمزيد من الإهتمام بالشأن الصيني. ولا تنسى أنه لا وقت فالصين، فكن مسرعا لتحلق بهم.