قراءات ليلية .. الإمام الشافعى
بقلم / السفير أشرف عقل
- هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . يلتقى مع رسول الله ( صلعم ) فى عبد المطلب ، فهو من هاشم عم الرسول .
ولد فى غزة عام ١٥٠ هجرية ، وبين غزة وعسقلان عاش مع أمه يتيما عامين . ثم ذهبت به الأم إلى بلده مكة ، فلما جاوز الرابعة من عمره أقبل على القرآن الكريم يحفظه ، وما أتم السابعة إلا وقد أتم حفظه وتجويده . ثم خرجت به أمه إلى البادية فلزمت قبيلة هذيل ، فتعلم كلامها وأخذ طبعها ، وكانت أفصح العرب ، وبقى فيهم ١٧ سنة ، يرحل برحيلهم ، وينزل بنزولهم ، فلما رجع إلى مكة جعل ينشد الأشعار ويذكر الآداب والأخبار وأيام العرب .
وكان أن مر به رجل من الزبيريين ، فقال له : لقد عز على أن لا يكون مع هذه اللغة والفصاحة والذكاء ، فقه ، فلو حصلت الفقه ، فستكون قد سدت أهل زمانك . فقال الشافعى : ومن بقى يقصد ؟ فقال الرجل : هذا مالك سيد المسلمين فى المدينة . فوقع كلامه فى قلب الشافعى . فاستعار ” الموطأ ” وحفظه فى تسع ليال ، وعزم على الرحلة إلى مالك . وقد أقام الشافعى على تعلم العربية وأيام الناس ٢٠ سنة ، وقال : ما أردت منه إلا الإستعانة على الفقه .
أصبح له شأن فى المسجد الحرام لما عرف عنه من حدة الذكاء وجودة الطبع وجمال البيان وفصاحة اللهجة ، وقد أذن له بالإفتاء وهو فى العشرين من عمره . وقد أخذ العلم والفقه عن أئمة الفقه والتفسير والحديث واللغة ، وجلس فى حلقة مسلم بن خالد الزنجى ، مفتى مكة وفقيهها سنة ١٨٠ هجرية ، وسفيان بن عيينة سنة ١٩٨ هجرية شيخ المحدثين ، وكان سفيان يقول فيه : هذا أفضل فتيان أهل زمانه .
غادر مكة إلى المدينة المنورة ليأخذ الحديث على مالك شيخ المحدثين ( ٩٤ – ١٧٩ هجرية ) . وفى حلقته تعرف بالكثير من أترابه الناهجين نهجه من العلم . ولم يلبث أن ولى قضاء اليمن ، بمساعدة مصعب بن عبدالله القرشي ، وفى اليمن أخذ عن عدد من العلماء والمحدثين مثل مطرف بن مازن الصنعاني ، وعمرو بن أبى مسلمة صاحب الأوزاعي ، ويحيي بن حسان صاحب الليث بن سعد إمام مصر ، وهشام يوصف قاضى صنعاء ، وغيرهم .
وزار الإمام أحمد بن حنبل مكة عامى ١٨٧ و ١٩١ هجرية ، وجلس إلى الشافعى فملأ قلبه وعقله حتى إنه قال لبعض أصحابه : تعال حتى أريك اليوم رجلا لم تر عيناك مثله ، إن فاتك عقله فإنى أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة . ويقول أيضا : ما رأيت أحدا أفقه فى كتاب الله تعالى من هذا القرشى .
وبعد ١١ عاما من رحلته إلى بغداد ، عاد إليها عام ١٩٥ هجرية فى خلافة الأمين بن هارون الرشيد حيث مكث عامين ، وعاد الى مكة بعد ذلك ، ثم الى بغداد مرة أخرى عام ١٩٨ هجرية ليقيم فيها عدة أشهر ، يرحل بعدها إلى مصر الفسطاط فى رحلته الخالدة التى جاءت فى نهايات حياته ، حيث التقى بعلمائها وقاد حركة فقهية جديدة ، كان لها صداها العميق فى العالم الإسلامى . وكان من تلاميذه المصريين : المزنى ، البويطى ، يونس بن عبد الأعلى ، الربيع الجيزى ، الربيع بن سليمان المرادى ، عبد الرحمن بن عبدالله بن الحكم .
ظل الإمام الشافعى يكتب ويقرا ويدرس والمرض يحاصره ، حتى سقط القلم من يده ، وأستاثرت به رحمة الله تعالى يوم الجمعة ٢٩ رجب سنة ٢٠٤ هجرية الموافق ٨٢٠ ميلادية ، وقد دفن فى مصر . وفى عام ٦٠٨ هجرية بنى الملك الكامل الأيوبى القبة الكبيرة على قبره ،
وأجرى السلطان قايتباى إصلاحات بضريحه عام ٨٨٥ هجرية . وجدد على بك الكبير القبة عام ١١٨٦ هجرية ، ثم قامت وزارة الأوقاف المصرية ببناء مسجده عام ١٣٢٢ هجرية ، وهو من المزارات الشهيرة فى القاهرة إذ يقصده العامة والخاصة للصلاة فيه و التبرك به .
- يعد الشافعى إماما فى الدين والفقه والتفسير والأصول والحديث واللغة والأدب والشعر والنقد ، قال عنه الإمام أحمد بن حنبل : كان الشافعى من أفصح الناس ، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا . وقال أيضا : مامس أحد محبرة ولا قلما إلا الشافعى فى عنقه منه . وقال عنه الإمام الحافظ : كأن لسانه ينفث الدر .
وأساس مذهبه أن الأصل هو القرآن والسنة ثم القياس فالإجماع . يقول الكرابيسى ( ٢٠٤ هجرية ) : ماكنا ندرى ما الكتاب ولا السنة ولا الإجماع ، حتى سمعنا الشافعى يقول ذلك . والسنة الصحيحة عند الشافعى تلى القرآن الكريم ، وقد كان يقول : ” إذا صح الحديث فهو مذهبى ” . وقد دافع بشدة عن العمل بخبر الواحد الصحيح ، مما نال عليه حظا كبيرا عند أهل الحديث ، لذا أسماه اهل بغداد ( ناصر السنة ) وقال فيه محمد بن الحسن : ” إذا تكلم أصحاب الحديث يوما فبلسان الشافعى ” وقال الزعفراني : ” كان أصحاب الحديث رقودا حتى جاء الشافعى فأيقظهم فتيقظوا ” .
– ومن ديوانه الشعرى نورد هنا بعض أبياته :
– من قافية الهمزة ( دع الأيام ) .
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالى
فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا
وشيمتك السماحة والوفاء .
ومن نفس القافية ( فى الدعاء ) .
أتهزأ بالدعاء وتزدريه
وما تدرى بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطئ ولكن
لها أمد وللأمد انقضاء .
ومن قافية الباء ( خالف هواك ) .
إذا حار أمرك فى معنيين
ولم تدر حيث الخطا والصواب
فخالف هواك فإن الهوى
يقود النفوس إلى ما يعاب .
ومن قافية التاء ( أخلاق المسلم ) .
لما عفوت ولم أحقد على أحد
أرحت نفسى من هم العداوات
إنى أحيي عدوى عند رؤيته
لأدفع الشر عنى بالتحيات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه
كما أن قد حشى قلبى محبات
الناس داء وداء الناس قربهم
وفى إعتزالهم قطع المودات .
ومن قافية الجيم ( فرج الله قريب ) .
ولرب نازلة يضيق لها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج .
ومن قافية الراء ( راض بما حكم الدهر ) .
وما كنت أرضى من زمانى بما ترى
ولكننى راض بما حكم الدهر
فإن كانت الأيام خانت عهودها
فإنى بها راض ولكنها قهر .
ومن قافية اللام ( آل بيت الرسول ) .
يا آل بيت رسول الله حبكم
فرض من الله فى القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم
من لم يصل عليكم لا صلاة له .
ومن قافية الياء ( عين الرضا ) .
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدى المساويا
ولست بهياب لمن لا يهابنى
ولست أرى للمرء مالا يرى ليا
فإن تدن منى تدن منك مودتى
وإن تنأ عنى تلقنى عنك نائيا
كلانا غنى عن أخيه حياته
ونحن إذا متنا أشد تغانيا .
رحم الله الإمام الشافعى وأثابه خير الجزاء على ما قدم لدينه ودنياه . وعصم الله بلادنا جميعا من الزلل وأنعم عليها بالأمن والأمان والستر والإطمئنان . وأزال عنها الوباء والبلاء ، إنه ولى ذلك والقادر عليه … آمين .