قرى جبل مرة السودانية تخشى مصير ترسين
مخاوف على مصير نحو 20 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال

كتبت/د.هيام الإبس
استمرار هطول الأمطار الغزيرة وتدفق المياه ينذر بتحول المنازل إلى ركام تحت أكوام الطين والصخور
وتتزايد المخاوف على مصير نحو 20 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال من سكان ثماني قرى محيطة بجبل مرة، بعدما أسفر انزلاق أرضي عن مقتل أكثر من ألف شخص، وأتى على قرية بأكملها داخل إقليم دارفور، بحسب ما أعلنت حركة جيش تحرير
السودان الأسبوع الماضي.
ويعيش سكان القرى المحيطة بمنطقة جبل مرة في إقليم دارفور غرب السودان حالة من الرعب والخوف خشية تعرضهم لانزلاقات أرضية مشابهة لما حدث في قرية ترسين، وبخاصة في ظل استمرار هطول الأمطار الغزيرة وتدفق المياه التي تنذر بتحول المنازل إلى ركام تحت أكوام الطين والصخور.
وتتزايد المخاوف على مصير نحو 20 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال من سكان ثماني قرى محيطة بجبل مرة، بعدما أسفر انزلاق أرضي عن مقتل أكثر من ألف شخص، وأتى على قرية بأكملها داخل إقليم دارفور، بحسب ما أعلنت حركة جيش تحرير السودان الأسبوع الماضي.
صعود الجبال
في السياق، قال المواطن السوداني سليمان تاور الذي يقيم داخل قرية روكرو في محلية شمال جبل مرة، إن “المئات هربوا من المنازل إلى المناطق المفتوحة والأقل خطراً، لكنهم يواجهون ظروفاً قاسية في ظل الهطول المستمر للأمطار الغزيرة وانتشار الأمراض، لا سيما وباء الكوليرا وخصوصاً بعد تلوث المياه وانعدام الصرف الصحي”.
وأضاف أن “مباغتة المياه للقرى بصورة غير متوقعة، أجبر عشرات الأسر على صعود قمم الجبال لأن مستوى المياه كان مرتفعاً جداً مع تيار قوى جرف معه الأثاث والممتلكات وحتى الحيوانات، إلى جانب تدمير الجسور الصغيرة بالكامل وجرفها بعيداً”.
وأوضح تاور “جراء هذه الأوضاع بات سكان أكثر من ثماني قرية خائفين من احتمال حدوث انهيار أرضي جديد وسقوط ضحايا يفوق عددهم سكان قرية ترسين، وبخاصة بعد جرف بعض التلال وسماع أصوات المياه الآتية من باطن الجبال”.
الأسوأ قادم
على الصعيد نفسه، توقع المتخصص في مجال الجيولوجيا والموارد المائية بابكر عباس، حدوث انزلاق أرضي في بقية القرى المحيطة بمنطقة جبل مرة، بصورة أعنف مما حدث في قرية ترسين، نظراً إلى وجود صخور بركانية في تلك المناطق وبحيرات وشلالات، فضلاً عن هطول الأمطار بغزارة هذه الأيام.
وأشار إلى أن “الانزلاقات الصخرية أكثر تدميراً لأنها تتحرك بسرعة كبيرة، ويمكن أن تحدث دون سابق إنذار وعلى مدار أيام أو أسابيع، وتؤثر في كل ما يعترض طريقها مما يجعلها الأخطر على الإنسان والبنية التحتية”.
وأشار عباس إلى أن “الوضع الكارثي يتطلب إجلاء سكان القرى المحيطة بمنطقة جبل مرة من تلك الأماكن الخطرة، وعمل رصد دقيق لقياس التربة والهواء والمياه من أجل التعامل مع الانهيارات الأرضية المتوقعة بصورة علمية، عن طريق المنظمات الأممية والفرق التي وصلت قرية ترسين”.
من جانبه، قال رئيس حركة جيش تحرير السودان عبدالواحد محمد نور إن “حجم الكارثة كبير ويحتاج إلى تضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية كافة، من أجل المساعدة في إنقاذ أرواح آلاف المواطنين الذين يواجهون خطر الانزلاقات الأرضية”.
وأضاف أن “هناك توقعات بحدوث كوارث مماثلة لمأساة قرية ترسين في بعض القرى المجاورة لها، مما يتطلب وضع خطة لإجلاء السكان من تلك المناطق وتوفير السكن والإيواء”.
ودعا نور إلى توفير الغذاء والدواء والمأوى الطارئ بصورة فورية لمنع مزيد من المعاناة وفقدان الأرواح، خصوصاً في ظل نزوح واسع النطاق لسكان القرى المجاورة الذين يخشون تكرار الكارثة”.
عوامل مؤثرة
على نحو متصل، أوضح أستاذ الجيولوجيا بجامعة السودان إبراهيم حمد، أنه “في ظل موجة الأمطار والسيول العنيفة وغير المسبوقة التي تضرب إقليم دارفور، وكذلك النشاط البركاني في منطقة جبل مرة يحدث ضعف للمنحدرات الصخرية ويتسبب بانهيارات أرضية تشكل أخطارً وأزمات عدة تواجه السكان”.
وأشار إلى أن “هطول الأمطار الغزيرة يؤدي إلى زيادة تآكل التربة والفيضانات، وهي عوامل تزيد من احتمالات الانهيارات الصخرية الخطرة، ومع تدفق المياه تتشبع التربة فيسهل انزلاقها، وهو ما يرجح من احتمالات وقوع كوارث طبيعية من هذا النوع”، مضيفاً، أن “القرى المحيطة بمنطقة جبل مرة تقع في منحدرات منخفضة، مما يجعلها تنهار بسرعة نتيجة سقوط كتل الطين والصخور، بالتالي يحدث الدمار الكامل”.
ضحايا جدد
فى السياق ذاته، قال المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في إقليم دارفور آدم رجال إن “عدد القرى في المنطقة كبير، وكلها مهددة بحدوث انزلاقات أرضية مميتة مع استمرار هطول الأمطار بصورة تفوق المعدلات المعتادة”.
وأفاد بأن “المنطقة تشهد أمطارً غزيرة تسببت في جريان سيول كان آخر ضحاياها مصرع ثلاثة أطفال في معسكر سبنقا للنازحين بدائرة طرة شمال جبل مرة، وجرى انتشال جثامينهم لاحقاً”.
وأشار رجال إلى أن “تدفق المياه حول المناطق السكنية إلى برك وعرضها للسيول التي تنحدر من قمم الجبل من كل اتجاه، بالتالي حال حدوث كارثة أخرى خلال هذه الأيام، وهو أمر متوقع، قد يموت مزيد من المدنيين تحت الأنقاض، ولا يجدون أيضاً من ينتشل جثامينهم”.
وضربت ثلاثة انهيارات أرضية مفاجئة الأسبوع الماضي قرية ترسين الجبلية النائية في إقليم دارفور غرب السودان، مما أدى إلى إغراق منازل وحيوانات ومئات العائلات تحت الطين.
وتشير أحدث حصيلة صادرة عن السلطات المحلية ومنظمة “أنقذوا الأطفال” إلى انتشال 373 جثة غالبيتها لأطفال، لكن يعتقد أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير وقد يتجاوز الـ1000.
ووفقاً لمنظمة “أنقذوا الأطفال” لم يعثر حتى الآن سوى على 150 ناجياً، بينهم 40 طفلاً من ترسين والقرى المحيطة بها، وفقد الأهالي أقاربهم وأطفالهم ولا يعرفون كيف يمكنهم إنقاذهم أو انتشال جثثهم.
وأرسلت منظمة “أنقذوا الأطفال” 11 موظفاً بينهم أطباء وممرضات وقابلات وعاملون اجتماعيون إلى ترسين، ووصل الفريق إليها الخميس الماضي بعد سفر لـ10 ساعات شاقة على ظهور الدواب من قرية قولو النائية عبر تضاريس وعرة بلا طرق وتحت أمطار غزيرة.