قصيدة “أين الضجيج العذب والشغب؟”..مهداة لكل أم وأب يشكوان من شغب أطفالهم بالبيت

قصيدة “أين الضجيج العذب والشغب؟” للشاعر السوري الراحل عمر بهاء الدين الأميري هي واحدة من أروع ما قيل في الحنين الأبوي، وقد جسّد فيها لحظة الفقد المؤقت للأبناء بلغة شعرية رقيقة وموجعة. إنها قصيدة تقطر حنينًا وشوقًا، وتنبض بالمشاعر الإنسانية العميقة التي تصف حال الآباء عندما يغيب عنهم صخب الأطفال وضجيجهم الجميل.
وقد صدق عباس محمود العقاد حين قال:
“لو كان للأدب العالمي ديوان، لكانت هذه القصيدة في طليعته“
تحليل سريع لبعض جماليات القصيدة:
-
الموسيقى الداخلية فيها تنساب بانسيابية مذهلة، بفعل استخدام البحر الكامل بتفعيلاته المتكررة.
-
التكرار الفني مثل “أين…” و”بابا…” يمنح القصيدة إيقاعًا وجدانيًا قويًا.
-
استخدام صور حسية ملموسة من الحياة اليومية (مثل كسر النوافذ، وبقايا الطعام) جعل القصيدة قريبة من المتلقي وعاطفته.
-
تصوير البيت بعد غياب الأبناء كأنَّه بيت خاوٍ من الروح، ثم تصويره بعد امتلائه بأثرهم، حتى وهم غائبون.
لماذا هذه القصيدة خالدة؟
لأنها ببساطة حقيقية، خرجت من قلبٍ مجروح في لحظة صدقٍ نادرة، وتمكنت من أن تلمس قلوب الجميع، سواء كانوا آباءً أو أبناء، شعراء أو قرّاء عاديين.

أين الضَجِيجُ العَذْبُ والشَغَبُ
أين التدارسُ شَابَهُ اللّعبُ
أين الطفولةُ في تَوقُدِها
أين الدُّمى في الأرضِ والكتبُ
أين التشاكسُ دون ما غَرَضِ
أين التَشاكي ما له سببُ
أين التباكي والتضاحكُ في
وقتٍ معاً.. والحُزُن والطَربُ
أين التسابقُ في مجُاورَتي
شَغَفاً إذا أكلوا وإن شَرِبوا
يتزاحمون على مجالستي
والقربِ منّي حيثما انقلبوا
يتوجّهون بسوق فطرتهم
نحوي إذا رهبوا وإن رَغبوا
فنشيدهمْ بابا إذا طَرِبوا
وَوَعِيدُهم بابا إذا غضبوا
وهتافهم بابا إذا ابتعدوا
ونَجِيُّهم بابا إذا اقتربوا
بالأمس كانوا ملءَ منزلنا
واليوم وَيْحَ اليوم قَدْ ذهبوا
وكأنما الصمت الذي هبطت
أثقاله في الدّار إذ غربوا
إغفاءَةُ المَحْمُومِ هَدْأَتُها
فيها يشيع الهَمُّ والتَّعَبُ
ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنهم
في القلب ما شطّوا وما قربوا
إني أراهم أينما اتجهت
عَيني وقد سَكَنوا وقد وثَبوا
وأُحس في خَلدي تلاعبهم
في الدار ليس ينالهم نصبُ
وبريق أعينهم، إذا ظفروا
ودموع حرقتهم إذا غلبوا
في كل رُكْنٍ منهمُ أثَرٌ
وبكلّ زاويةٍ لهم صَخَبُ
في النَافذاتِ زُجاجها حطموا
في الحائط المدهون قد ثَقَبُوا
في الباب قد كَسروا مَزالجه
وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الصَحْنِ فيه بعض ما أَكلوا
في عُلبة الحلوى التي نهَبوا
في الشَطْرِ من تُفاحةٍ قضموا
في فضلة الماء التي سَكبوا
إني أَراهُم أيْنما التفتت
نَفْسي كأسْراب القَطا سَرَبوا
بالأَمس في قرنايل نزلوا
واليوم قد ضَمتْهُمُ حَلبُ
دمعي الذي كتّمته جَلَداً
لما تَباكَوْا عندما رَكِبُوا
حتى إِذا سَارُوا وقد نَزَعوا
من أضلعي قَلْبَاً بهم يَجِبُ
أَلْفَيتُني كالطّفل عاطفةً
فإذا به كالغيث ينسكبُ
قد يعجب العُذَّال من رجلٍ
يبكي ولو لم أبك فالعجبُ
هيهات ما كل البُكا خَوَرٌ
إني وبي عَزْمُ الرّجال أَبُ
مختارة من صفحة الدكتور محمد أبو زيد استشاري الجراحة بالاسكندرية