احدث الاخبار

قلة ترحل معهم الحياة..!! بقلم : رئيس التحرير

 

عقب تشييع جثمان أحد أصدقاء الطفولة رأيت صديقا يبكي بتأثر غير معتاد ، فقد اعتدنا على مرحه حتى في أشد الاوقات حزنا. وسريعا فهم نظرتي العميقة له ، فقال والدموع تنساب من عينيه بحرقة :” صديقنا يرحمه الله ، طلب رؤيتي وهو على فراش الموت ، ولكني انشغلت وبالاحرى تكاسلت ، فمات دون يراني وألبي رغبته التي هي من أبسط حقوقه ، وأشعر بالندم يعصر قلبي”. موقف مؤثر أعتقد أنه يتكرر كثيرا جدا، فكم واحد من الاحياء تكاسل عن زيارة مريض ولم يدرك خطئه الا بعد فوات الأوان، ويكون الندم أشد ألما عندما نتكاسل عن زيارة مريض من ذوي القربى ، وربما يكون من أقرباء الدرجة الأولى .

شعرت شخصيا بقسوة هذا الندم بعد ظهر يوم السبت الماضي 12 أغسطس 2017 وأنا أسمع غير مصدق زميل بالديسك المركزي بصحيفتنا الغراء الجمهورية يقول بصوت مبحوح :” البقاء لله يا رجالة.. الحاج فاروق في ذمة الله”. توقفت الاقلام عن الكتابة وساد صمت مفاجى وتلقائي من الجميع قطعه زميل بالدعاء التقليدي ( يرحمه الله). فرحل الرجل الكريم المتسامح بعد أيام قليلة  من دخوله المستشفى دون أن يكلفنا عناء زيارته.

 لف الحزن كل مكتب داخل كل اصدار في دار التحرير للطبع والنشر على رحيل أخي الأكبر وصديقي الحاج فاروق عبد العزيز نائب رئيس تحرير الجمهورية ورئيس (قسم الأخبار ) وهو أهم قسم في الصحيفة وفي كل الصحف المصرية . وقد أداره بكفاءة يسودها الحب والاحترام لاكثر من  25 عاما رغم إضطراره أحيانا للمشي على الأشواك حتى أصبح أشهر رئيس قسم أخبار في الصحافة المصرية.

شاهدت وشعرت بمدى الحزن الذي غطى دار التحرير على رجل أجمع العمال والفنيين والسائقين والاداريين والصحفيين على محبته ، رجل قد تختلف مع بعض تصرفاته ولكن لا تملك إلا أن تحبه ، رجل يتميز بالبساطة والتواضع مما جعل الجميع صغارا وكبار بلتفون حوله ، رجل متسامح جدا لدرجة أكاد أجزم أنه ليس له أعداء.

رحم الله فاروق عبد العزيز فهو من القليل الذين قال فيهم الحكماء ” كثيرون يموتون فيفقدون الحياة ، وقليل يرحلون فتموت معهم الحياة”. والعاقل من يحرص على أن يكون ضمن تلك القلة التي تركت أثرا طيبا في حياة كل من حولهم ، فيشعرون بفقدها برحيلهم

وفي الختام أذكر نفسي وإياكم بموقف الحاكم المسلم المجاهد هارون الرشيد لما حضرته الوفاة وعاين السكرات صاح بقواده وحجابه: اجمعوا جيوشي فجاؤوا بهم بسيوفهم ودروعهم لا يكاد يحصي عددهم إلا الله كلهم تحت قيادته وأمْره.

 فلما رآهم بكى ثم قال : “يا من لا يزول ملكه .. إرحم من قد زال ملكه ..ثم لم يزل يبكي حتى مات “.

ورضي الله عن الامام على بن أبي طالب :

الموتُ لا والداً يُبْقِي وَلا وَلَداً       هذا السبيل إلى أن لا ترى أحَدَا

للموت فينا سهامٌ غيرُ خاطئةٍ          من فاته اليوم سهمٌ لم يفُتهُ غَدَا

بقلم : مدبولي عتمان
Aboalaa_n@yahoo.com

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.