قوى مدنية سودانية توقع على إعلان مبادئ لتوحيد المواقف المدنية المناهضة للحرب

كتبت – د.هيام الإبس
في خطوة سياسية لافتة تهدف إلى توحيد الجبهة المدنية ووقف الحرب الدائرة في السودان، وقعت قوى سياسية ومدنية ضمن تحالف «صمود»، برئاسة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، يوم 16 ديسمبر 2025، إعلان مبادئ مشترك في العاصمة الكينية نيروبي، مع حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، وحزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)، إلى جانب عدد من الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
وشملت الوثائق الموقعة إعلان مبادئ يؤسس لرؤية سياسية مشتركة لبناء وطن سوداني جديد، إلى جانب مذكرة قانونية تطالب بتصنيف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وواجهاتهما كمنظومة إرهابية، على خلفية ما نسب إليهم من أدوار في تقويض التحول الديمقراطي وتأجيج العنف والانتهاكات المرتبطة بالحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023.
قوي سياسية ومدنية
وضمت قائمة الموقعين عدداً من القوى السياسية والمدنية والتنظيمات الثورية، من بينها: حركة جيش تحرير السودان، حزب المؤتمر السوداني، التجمع الاتحادي، حزب البعث العربي الاشتراكي – الأصل، حزب الأمة القومي، الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي، حزب البعث القومي، التحالف السوداني، الحزب الجمهوري، منسقية النازحين واللاجئين، هيئة محامي دارفور، تحالف القوى المدنية لشرق السودان، تنسيقية المهنيين والنقابات، إلى جانب عدد من الأجسام ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية.
ويأتي هذا التوقيع في ظل حرب مستمرة منذ ما يقارب ألف يوم، وصفها المجتمعون بأنها واحدة من أشد المراحل قتامة في تاريخ السودان الحديث، بعدما تحولت المدن والقرى إلى مسارح مفتوحة للموت والدمار، وتعرض النسيج الاجتماعي لتصدعات عميقة، وانفرط عقد مؤسسات الدولة ومنظومات الحماية والخدمات بصورة شبه كاملة، ما جعل المدنيين – نساءً وأطفالًا وشيوخاً – يدفعون الكلفة الأكبر من أرواحهم وكرامتهم وسبل عيشهم.
صراع سياسي
وأكد المشاركون أن الحرب الجارية منذ 15 أبريل 2023 لم تعد صراعًا سياسيًا على السلطة بين أطراف متناحرة، بل غدت مأساة إنسانية شاملة تغلق الأفق أمام أجيال كاملة، وتدفع البلاد نحو الفوضى والتشظي والانهيار، محذرين من أن استمرارها يعني المزيد من الموت والمعاناة لشعب لم يختر هذه الحرب.
ورغم هذا الواقع القاتم، أشار المجتمعون إلى مظاهر الصمود المجتمعي التي عبر عنها السودانيون في مواجهة الحرب، من خلال التكافل الاجتماعي، وتقاسم الموارد الشحيحة، وتضميد الجراح، ومبادرات الإغاثة الشعبية، إضافة إلى دور الكلمة الحرة والفن والأدب في مقاومة آثار الحرب والحفاظ على إنسانية المجتمع، معتبرين ذلك مصدر إلهام أخلاقي وإنساني للعالم.
تحذير من كارثة وشيكة
وفي مستهل الاجتماع، أُطلق نداء إنساني عاجل بشأن الأوضاع المتدهورة في إقليم كردفان الكبرى، لا سيما مناطق الأبيض وكادقلي والدلنج والدبيبات والرهد، حيث تشهد هذه المناطق تصاعدًا خطيراً في العمليات العسكرية.
وشدد المجتمعون على ضرورة الوقف الفوري للقتال، مؤكدين أن حماية أرواح المدنيين أولوية مطلقة تفرضها قواعد القانون الدولي الإنساني، وأن صونها وحمايتها واجب إنساني وأخلاقي لا يقبل المساومة.
وحمل الاجتماع أطراف الحرب وحلفاءهم المسؤولية الكاملة والمباشرة عن أي انتهاكات أو جرائم ترتكب بحق المدنيين، داعيًا إلى عدم الإفلات من العقاب، وإلى محاسبة كل من تورط في القتل والتنكيل وتدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
دور دولي فاعل
كما دعا الموقعون القوى الدولية والإقليمية إلى الاضطلاع بدور أكثر فاعلية وحسماً تجاه ما يجري في السودان، مع التشديد على أهمية الآلية الرباعية باعتبارها مدخلاً عملياً وفورياً لتطبيق هدنة إنسانية غير مشروطة من أطراف الحرب، تمهيداً لوقف دوامة الجرائم المستمرة، واختبار جدية الأطراف في حماية المدنيين وتهيئة المناخ للحل السياسي.
مشروع الوطن الجديد
وناقش الاجتماع التطورات الإنسانية والأمنية والسياسية الراهنة، وبحث بصورة معمقة سبل إنهاء الحرب والوصول إلى سلام عادل وشامل يعالج جذور الصراع التاريخية، ويضع الأسس المتينة لإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة.
وخلص المشاركون إلى التوافق على ثلاث وثائق مركزية تشكل أساس مشروع «الوطن الجديد»، وهي وثيقة إعلان المبادئ لبناء دولة سودانية قائمة على المواطنة المتساوية والديمقراطية والعدالة، وخارطة طريق لوقف وإنهاء الحرب، تشمل الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار والمسار السياسي، إضافة إلى مذكرة قانونية تطالب بتصنيف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وواجهاتهما كمنظومة إرهابية استنادًا إلى ما ورد في المذكرة من أدوار منسوبة لهما في تقويض التحول الديمقراطي، وتأجيج العنف، وارتكاب انتهاكات جسيمة خلال العقود الماضية، بما في ذلك ما ارتبط بالحرب الجارية.
توسيع الجبهة المدنية
واتفق المجتمعون في بيانهم الختامي على إنشاء إطار مرن وفاعل للتنسيق والعمل المشترك بين القوى المدنية الديمقراطية، يهدف إلى تحويل الوثائق المتوافق عليها إلى خطوات عملية ملموسة، وتوسيع الجبهة المدنية المناهضة للحرب داخل السودان وخارجه.
كما وجه المشاركون تحية إلى القوى المدنية والسياسية والتنظيمات القاعدية في مختلف أنحاء البلاد، داعين إلى توسيع المقاومة السلمية من أجل الحياة، والعمل الدؤوب مع جماهير الشعب السوداني في الفضاءات المدنية السلمية بما يسهم في الدفع الجاد نحو السلام.
خطوة على طريق معقد
يعكس إعلان نيروبي إدراكاً متزايداً لدى القوى المدنية بضرورة تجاوز الانقسامات وتقديم رؤية موحدة لإنهاء الحرب وإنقاذ البلاد من الانهيار الشامل، ورغم التحديات والانتقادات، ينظر إلى الاتفاق باعتباره محاولة مهمة لإعادة السياسة المدنية إلى الواجهة، ووضع أسس لحوار وطني قد يشكل مدخلاً لحل شامل ومستدام للأزمة السودانية.




