كتاب ديني نادر.. غرائب الأخبار ونوادر الحكم واللطائف والأشعار
بقلم / حاتم السروي
النفوس تسأم كما تسأم الاجسام، هذه حقيقة تفطن إليها الحكماء فكان أن قال الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه: روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلب إذا أُكره عمي..
والترويح عند أهل الفضل يكون بالتماس طرائف الحكمة أو اللعب المباح واللهو البريء، وبه يستجمون لوقت نشاطهم وينشطون لزمان عملهم.
وقال الزهري رحمه الله: “كان رجلٌ يجالس أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ويذاكرهم فإذا ثقل عليه الحديث قال: إن الأذن مجَّاجَة ألا فهاتوا لها من أشعاركم وحديثكم هذا”.
وفي الستينيات من القرن العشرين قدَّم لنا الشيخ أحمد عيسى عاشور كتابه الثري الجامع “متفرقات” وفيه حكم عميقة وأشعار لطيفة، وقد أراد أن يعالج به ناحية من نواحي ضعف النفس بما يقدمه من البلسم الشافي والترياق الناجع مع الترويح عنها بالمرغبات فالتمس لها من غرائب النوادر وشوارد الفوائد ومشوقات الأخبار وطرائف الحكم وعيون أشعار العرب وغرر الأحاديث ما تتغذى به الروح ويطمئن إليه القلب وتسمو به الأنفس وتستنير به البصائر وإن الحكمة ضالة المؤمن ومن أوتيها فقد أوتي خيراً كثيرا وإن الذكرى تنفع المؤمنين والموعظة تنعش قلوب المتقين.
وقد صدَّر المؤلف الكتاب بمقالة الجاحظ عن وصف الكتب ليعرف القارئ ثمرة القراءة وفائدة الاطلاع وفضل البحث وشرف العلم.
والكتاب صدر مفرق المواضيع ليكون أمتع للنفس وأكثر لفتاً للنظر وأبعث للنشاط في القراءة فإن القارئ ما يلبث أن يقرأ في التاريخ حتى يجد حكماً شرعياً وبعده خبراً طريفا.
يقول الشيخ المصنف “أنفقت العمر في جمع شوارده واختيار نوادره من بطون المراجع وأمهات الكتب فجاء بحق حديقة الأدباء وروضة البلغاء، وفيه ينتقل القارئ من غصن إلى غصن ومن زهرة إلى زهرة فتسمو عواطفه وترق مشاعره وتهدأ نفسه ويسعد قلبه”.
وأمام رغبة القراء في إعادة طبع الكتاب جمع الناشر أجزاءه الثلاثة في كتاب واحد سماه “غرائب الأخبار ونوادر الحكم واللطائف والأشعار “، ومن الحكم المأثورة في الكتاب قول أرسطو الفيلسوف “الغنى في الغربة وطن، والفقر في الأهل غربة”، وقول الأصمعي: من التمس الرُّخَص من الإخوان عند المشورة ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشُّبَه تاه وازداد سقماً واحتمل وزرا، وقول الإمام علي كرم الله وجهه: إياكم ومحقرات الذنوب فإن الصغير منها يدعو إلى الكبير.
وفي الكتاب أيضا هذه المقولة: من العود إلى العود ثقلت ظهور الحطابين ومن الهفوة إلي الهفوة كثرت ذنوب الخطائين، وتحت عنوان “من غرر النصائح” كتب الشيخ المصنف يقول: لما وجه أبو بكر رضي الله عنه عكرمة بن أبي جهل إلى عمان أوصاه فقال: سر على بركة الله وقدم النُّذُر بين يديك ـ أي أعلم الناس وحذرهم من العواقب ـ ومهما قلت إني فاعل فافعل ولا تجعل قولك لغواً في عفوٍ ولا عقوبة، ولا توعدن على معصية بأكثر من عقوبتها؛ فإنك إن فعلت أثمت وآن تركت كذبت، ولا تكلفن ضعيفاً أكثر من طاقة نفسه والسلام.
ومما جاء في الكتاب أيضا قول منصور بن عمار: الدنيا أولها بكاء وأوسطها عناء وآخرها فناء، وقول أحد الواعظين: مسكين ابن آدم لو خاف من النار كما يخاف من الفقر لنجا منهما جميعا، ولو رغب في الجنة كما يرغب في الغنى لفاز بهما جميعا، ولو خاف من الله في الباطن كما يخاف من خلقه في الظاهر لسعد في الدارين معا.
الدنيا من صح فيها سَقِم ومن سقِمَ فيها بَرِم ومن افتقر فيها حزن ومن استغنى فيها فُتِن، حلالها حساب وحرامها عقاب ومتشابهها عتاب، ومن طلبها فاتته، ومن بصر بها بصَّرَتْه، ومن نظر إليها أعمته.
ومن الطريف ما جاء في الكتاب عن الزبيبة التي يصنعها بعض الناس في زماننا حتى يُعرَف أنهم من المصلين ذكر الشيخ أن رجلاً دخل على أبي جعفر المنصور أراد أن يوليه قضاء ناحية من العراق، وقد جعل بين عينيه زبيبة مثل ركبة الجمل فقال له المنصور: إن كنت أردت الله بهذا فما ينبغي لنا أن نشغلك عنه، وإن أردتنا فما ينبغي لنا أن ننخدع بك، فانصرف الرجل ولم يوله المنصور.