تقارير وتحقيقات

كذب الأطفال آفة خطيرة يتحمل مسئوليتها الكبار

الأسرة المسئولة الأولى عن المشكلة تليها المدرسة

العلاج يتطلب تضافر كل مؤسسات المجتمع وإستخدام أحدث الأساليب التربوية

تحقيق : عمرو عبد الواحد

الكذب من أكثر السلوكيات المشينة وآفة مرضية نفسية خطيرة بدأت تسري في المجتمع  وأصبحت سمة غالبة سلكها الكبير للأسف قبل الصغير، وحذر الخبراء من التأثير الضار لتلك الظاهرة على المجتمع لدرجة انهم وصوفها بالقنبلة الموقوتة .

وسنتطرق للكذب عند الصغار، لأنهم فلذة أكبادنا وبناة الغد وسر إستمرارية الحياة، فلا حياة ولا هدف ولا عمل إلا بتواجدهم . فالكذب عند الأطفال تحت تأثيرات وضغوطات مجتمعية ونفسية محيطة يجعل الملائكة يشبون علي نمط الإخفاء وطمس التقاليد والأعراف وضياع الحقوق بظهور أجيال غير آهلة للثقة في أنفسها وفي من حولها وغير قادرة علي تحمل المسئولية والمواجهة والمناقشة البناءة، وعدم القدرة علي الخطي قدما نحو مستقبل متقدم والمشاركة عجلة التنمية والتقدم.

الأسرة المسئولة الأولى

وللدخول لعالم الصغار توجهت ( وضوح)  إلى حضانة( دريم جاردن) وتقابلنا مع صاحبتها مروة سالم المحلاوي ولديها 13 عاما من الخبرة في التربية ورياض الأطفال، حيث أكدت أن الأسرة هي العامل الرئيسي في توجيه سلوكيات هذا الملاك الصغير، وأن الكذب للأسف أصبح وسيلة سهلة للخروج من المآزق وذلك مايتم تعليمه للطفل بداخل بيته.

ومن أسباب الكذب أيضا، الخوف وجذب الإنتباه والتقليد الأعمي لمن حوله. وأوضحت  المحلاوي : “إننا نعمل جاهدين علي تصحيح مسار فكر هؤلاء الصغار وإجتثاث سلبياتهم من كذب وسلوكيات أخري بأساليب تعليمية وتربوية متطورة وربط قيم القدوة بين الماضي والحاضر وتحمل المسئولية وغرس الصدق بالأخص في مرحلة الزهور لأن إستيعابهم في تلك المرحلة مثل النقش علي الحجر.

وإختتمت مروة المحلاوي حديثها أنهم يعملون بكل جهد متبعين شتي الطرق لبناء شخصية الصغار وإشراكهم في الأنشطة الترفيهية والثقافية وإقامة حفلات عرائس الديزني المحببة للأطفال لتوصيل المفاهيم الصحيحة بشكل قصصي يرسخ بأذهانهم، وإلقاء قصص الأنبياء والدروس الدينية لبث روح التعاليم الإسلامية السمحة والبعد كل البعد عن الكذب بكل أشكاله.

جذب الانتباه والهروب من الواجبات

ومن جانبها، ذكرت عبير محمد البحراني مديرة حضانة أن الطفل يلجأ عادة للكذب جذبا للإنتباه والإهتمام به في ظهوره في صورة البطل، بوصفها لحالة طفل إختلق قصته بأن كلبا ضخما هاجمه فضربه الطفل وأنقذ المنزل مرددا علي مسامع زملائه أنه البطل.  وفسرت ذلك  بأن الطفل يتأثر بأفلام الكارتون بأفكارها السلبية وأن الأسرة تترك طفلها فريسة لتلك النوعية من الأفلام وغياب وعيهم أن السم في العسل.

وقالت رحاب محمود مدرسة رياض أطفال أن بعض الصغار يتصنعون الكذب للهروب من واجباتهم دون نيل عقاب من والديه، وأكدت أ هند سالم مدرسة أن الأطفال الذين  يعانون من مشاكل أسرية معرضين للكذب أكثر من غيرهم لإفتقادهم الدفء والآمان الأسري ولكسب ود والديه أو كسب تعاطف مدرسيه ومن حوله. وتحدثت عن حالة لطفل متفوق إدعي الفشل والتأخير الدراسي أمام أمه بالبيت، أملا في جذب إهتمامها ويثير حنانها تجاهه وقد أهملته كثيرا، لكن بحضور الأم لمعرفة الحقيقة بالحضانة تتفاجئ بكذب صغيرها ويظهر تفوقه مع إشراكه في مسابقة تحدي أمام الجميع.

وأوضحت والدة أحد الأطفال أن الكذب بكل صوره السلبية يوجد كذب الخيال وجذب إهتمام للبيئة المحيطة بالطفل لمجرد الإحتياج للتشجيع والتحدي وهذا النوع غير ضار مع ضرورة توجيه الصغير  أن الكذب هو كذب مهما كانت صوره أو أهدافه، وأنه صفة غير حميدة، وأن الله عز وجل يحب الصادق الأمين ويكون بجانبه ويحقق كل  أحلامه البريئة.

نقص الحرية

وفي نفس السياق، أوضحت نهي نزار عجاج المدربة والإستشارية والتربوية، أن مشكلة الكذب والخوف وجو السيطرة بالأسرة وجو المدرسة الغير متشبع بحرية التعبير والديمقراطية وقلة الإبداع يجعل الصغار يستميلون إلي الكذب وخلق أوهام وخيالات للخروج من عنق الزجاجة والحصار النفسي والهروب من المسئولية متمثلة في كذب الطفل لعدم إجابته بشكل جيد في الإمتحان أو ضياع أدواته المدرسية وبمواجهة والديه ينكر فقدانها ويدعي أن زميله أخذ كتبه وأدواته ليحول دون عقابه، أو التخلص من طعامه التي أحضرته أمه منذ الصباح الباكر وهو مجبر عليه.

غياب الدور التربوي

وقالت نهى من أسباب الكذب أيضا، عدم تحمل المدرسين لأي مشكلة تواجه الأطفال وإلقاءها دوما علي عاتق الأهل فقط وإنشغالهم بدورهم التعليمي دون أي دور تربوي، إلا من رحم ربي وجود قلة من المعلمين من ذوي الضمير والمؤهلين تربويا ونفسيا ولديهم الوعي لتربية وتعليم النشء.، ومن الأسباب الأخري، الإرهاب الفكري وعدم إعتراف البيئة المحيطة للطفل من أولياء الأمور والمدرسين بالتجارب الخاطئة ورفض نظرية الخطأ أيضا من قبل الطفل يجعله يلجأ للكذب وإخفاء أخطائه، لكن بتغيير منظور الخطأ وتوجيه زهورنا وتعليمهم أنه لابد من الخطأ لنتعلم ونتطور، والعمل علي التحسن لكل ماهو جديد، وشرح الآباء الأمثلة خلال خبراتهم السابقة لأطفالهم والنماذج السلوكية يجعلهم يشعرون بالإعتراف الآمن لأخطائهم وإشراكهم في عملية الإصلاح والمصارحة البناءة.

وأضافت نهي أنبعض الأباء يتبعون عدة أساليب لمواجهة كذب أبنائهم أملا منهم في تقويم سلوكهم وللأسف هذا الإتجاه خلق نوع من العناد والكذب المحكم من قبل الصغار بشكل يصعب علاجه، ووجود قلة من الأهالي لديهم الوعي والحس التفهمي ذهبوا للمتخصصين التربويين والنفسي لعلاج أولادهم منذ البداية والذي ساعد بعلاجهم سريعا وأوجد جو من الهدوء  والمصالحة مع النفس وبث روح الطمأنينة وعدم الإرتباك من الأخطاء.

العلاج الفعال

يتضح مما سبق أننا وضعنا أيدينا علي معظم محاور مشكلة الكذب عند صغار والعلاج الناجح يتطلب التعامل معها باساليب علمية وتربوية وهي  :

-علاقة الأبوين ببعضهم، وعدم الكذب فيما بينهم وإرساء القيم والإحترام والوضوح بينهم  من العوامل الفاعلة في إرساء الآمان الأسري للطفل فيشب علي وجود الآلفة والتراحم والمصارحة وإحترام ذاته أمام نفسه وأمام والديه.

-علاقة الأبوين بالطفل كلا منهما علي حدا، ووجود القدوة الصالحة والأب الراعي لإبنه وفتح باب المناقشة كصديق والإقناع منذ الصغر، وعدم إتباع الترهيب والعقاب والضرب لكل سلوك خاطئ سلكه فيما يستحق أو لا يستحق، أيضا وجود الأم ومتابعتها لطفلها دراسيا وسلوكيا وتحفيزه بإستمرار علي التميز والإلهام وقيم الأدب الفكري والإجتماعي والإحترام لوالده وللكبير، وطمئنة صغيرها وإشباعه بنبع الحنان والرحمة ومكافئته لكل عمل جديد، أيضا معاملته كأنه السند والحماية بعد أبيه وأنه رجلها ينمي لدي الصغير قدرات المسئولية ويبعده كل البعد عن الكذب.

-العامل الإقتصادي لبيئة الطفل من العوامل المهمة في بناء شخصيته من تواجد الرعاية الأسرية المستمرة يسودها الشعور بسلام العيش والتفكير قدما نحو تحقيق أهدافه وطموحاته منذ الصغر، ومن العوامل الأخري المؤثرة المدرسة وهي بيت الطفل الأول قبل منزله والتي يمكث فيها أغلب يومه ويتلقي بها تعليمه وتوجهات فكره ومفاهيمه الأساسية التربوية قبل العلمية، ولا نغفل دور المعنيين بتلك المؤسسات التعليمية من مدرسين ومديرين وغيرهم من المحيطين بالصغير يؤثر فيه ويتأثر به.

-علاقة الطفل بمن حوله من جيرانه وزملائه وأقاربه، فالطفل يؤثر في صديقه الطفل بقوة عن أي شخص آخر بدافع التحدي وإثبات الذات أو التقليد والتبعية لصديق يحبه أو زميل يكرهه ويتحايل بالهروب منه كذبا أو الإنتقام منه بدافع الغيرة أو الحسد، أو الحرمان من نعمة ليست لديه يعمل علي ذوالها أو أخذها بالكذب والحيلة والمراوغة.

وفي الختام يبقي السؤال الهام.. لماذا نكذب ويكذب صغارنا؟ نكذب ويكذب من حولنا لنعيش ونحيا وسط دنيا مليئة بغيوم الخوف والقسوة وإنعدام الملامح، حياة قلما يسكنها الضمير الإنساني، هل المجتمع أم الأسرة أم المنظومة التعليمية السبب في تصبغ ملائكتنا بألوان الكذب والهروب بإرتداء الأقنعة؟ أم الطفل نفسه؟… كلنا مسئولون عن ماوصل إليه حال هؤلاء الصغار!…

فرفقا بالملائكة من قهر، من ظلم، وضغوط وعنف، رحمة بفلذة أكبادنا، حبا في مستقبل بلدنا النابض بزهوره أولاده وشبابه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.