الصراط المستقيم

كمال الخطيب يكتب: العودة للإسلام ضرورة يفرضها منطق الإيمان والتاريخ والواقع

 

يظن البعض أن دعوتنا المسلمين للتمسك بالإسلام والالتزام بأحكامه والعودة إلى الكتاب والسنة الشريفة، هي مجرد رغبة بالعودة إلى شيء جميل كأنه تراث من الماضي يحنّ إليه. والحقيقة أن العودة للإسلام وأحكامه وتشريعاته ورسالته وفهمه الفهم الصحيح والعميق هو ضمانة أساسية لبناء أمة الإسلام صاحبة الرسالة الربانية الخالدة. وأن ما وصل إليه المسلمون في هذه الأيام أفرادًا وأمة يشير بشكل واضح إلى حجم الضياع والخسارة لبعدنا عن الإسلام، وجرينا ولهثنا خلف سراب مشاريع أرضية قاصرة لم تزد حالنا إلا بؤسًا وأوضاعنا إلا مأساوية، مثلنا كمثل من يشرب ماء البحر كلما ازداد شربًا ازداد عطشًا.
وإن لحظة صدق مع النفس من كلّ واحد منا ومراجعة جريئة لما كنا عليه، ولما صرنا إليه تجعلنا ندرك ونتوصل إلى أن العودة للإسلام يفرضها منطق الإيمان ويفرضها منطق التاريخ ويفرضها منطق الواقع فكيف يكون ذلك.

منطق الإيمان

إن أبعد المسلمين عن الإسلام وأحكامه، وإن أكثرهم ارتكابًا للمحرمات والمعاصي، فليس بمقدورك ولا هو يقبل أن يقال عنه أنه غير مسلم، لكن ولأن كل أعماله وتصرفاته تتناقض مع أحكام الإسلام وتشريعاته، فهو وإن كان مسلمًا لكنه غير مؤمن، لأن المؤمن الحقيقي والصادق في إيمانه هو من يَعيش بالإسلام وللإسلام في حياته العامة، وهو من يتخذ الإسلام نظامًا والقرآن دستورًا في حياته الخاصة {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} آية 36 سورة الأحزاب. {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} آية 51 سورة النور.
إن مخالفة شريعة الله تعالى التي نزلت في قرآنه وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، إن مخالفة الكتاب والسنة في أدائنا لعباداتنا كالصوم والصلاة، أو في معاملاتنا المالية، أو في علاقاتنا مع الناس المسلمين وغير المسلمين، وسواءً كانت هذه المخالفات من الحاكم أو المحكوم هي في تعريفها الشرعي نوع من النفاق، وإن الإيمان الحقيقي الصادق يلزمك بالعودة إلى حكم الله ورسوله، وإلا فقد انتفى عنك الإيمان. فمنطق الإيمان إذن يلزمنا بالعودة إلى أحكام الشريعة، وقد بين الله تعالى ذلك بالقسم لما قال {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما} آية ٦5 سورة النساء.

وإن الله سبحانه قد عاب على اليهود والنصارى أنهم ابتعدوا عن أحكام شرائعهم وما جاء به أنبياؤهم، ووصف من فعلوا ذلك منهم بالكفر والفسق والظلم كما ورد في آيات سورة المائدة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} آية 44 سورة المائدة. {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} آية 35 سورة المائدة. {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} آية 47 سورة المائدة.
فإذا كان ترك أحكام الله من قبل اليهود والنصارى التي جاءت في التوراة والإنجيل هي كفر وظلم وفسق، فهل ترك أحكام القرآن من المسلمين أقل إثمًا، وهل الله سبحانه يكيل بمكيالين ويزن بميزانين؟! حاشاه سبحانه، فمنطق الإيمان إذن يفرض علينا وقد ابتعدنا كثيرًا وخالفنا طويلًا أحكام القرآن أن نعود إلى هذه الأحكام والتشريعات في حياتنا الخاصة والعامة أفرادًا وشعوبًا، حكامًا ومحكومين.
ولأننا أصبحنا نعيش على هامش الإسلام، نأخذ ما نريد ونترك ما نريد، نأخذه بالعبادات ونخالفه في المعاملات. فمنطق الإيمان يقول أنه لا بد أن نعود لمركز الإسلام، ولا نقبل العيش على أطراف وهامش الهوية الإسلامية.
ولأن منا من أصبح يتعامل مع الإسلام وكأنه مسيحية ثانية شعارها (دع ما لقيصر لقيصر وما لله فهو لله) فراح البعض منا يردد أنه لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة. إن منطق الإيمان الإسلامي يرفض هذه القسمة، لأن الحياة كلها لله وإن قيصر وما يملكه هو لله سبحانه، وأن الدنيا والآخرة مترابطتان.

إن منطق الإيمان، منطق العقيدة لا يقبل أن نأخذ من الإسلام جزءًا ونترك جزءًا بل هو الإسلام كله (خذوا الإسلام جملة أو دعوة) فهو عقيدة وشريعة وعبادة وأخلاقًا، معاملات ونظام دنيا وآخرة، مصحف وسيف نلتزم أحكامه في البيت وفي المسجد وفي الشارع وفي الجامعة، وفي معاملاتنا المالية وقضايانا السياسية وكل شؤون الحياة. إنه منطق الايمان إذن يلزمنا أن نعود للإسلام، ونتمسك بتشريعاته وأحكامه، وإلا فكيف ندعي الايمان ونحن نخالف هذه التشريعات الربانية.

منطق التاريخ

وإن تاريخ العرب قبل الإسلام وما كانوا عليه، وإن تاريخهم بعد الإسلام وما صاروا إليه وكيف نقلهم الإسلام من حال الى حال، يجعلنا نقرّ بضرورة العودة للإسلام في ظل سوء الحال الذي أصبحت عليه أمتنا في هذا الزمان.

إن منطق التاريخ يقول أن العرب لم يدخلوا التاريخ بأبي جهل وأبي لهب، وإنما دخلوا التاريخ بأبي بكر وعمر. وإنهم لم يدخلوا التاريخ بداحس والغبراء، وإنما دخلوا التاريخ بيوم بدر وباليرموك والقادسية وحطين. وإنهم لم يدخلوا التاريخ بالمعلقات السبع، وإنما دخلوا التاريخ بالقران العظيم. وإنهم لم يدخلوا التاريخ باللات والعزى، وإنما دخلوا التاريخ بلا اله الا الله محمد رسول الله.

وإن منطق التاريخ يقول أن أرض العرب قبل الإسلام كانت محتلة من الفرس والروم والأحباش. فالشام ومصر كانت تحت احتلال الروم، والعراق وكل أطراف الجزيرة العربية الغربية ( إمارات الخليج اليوم) كانت تحت حكم الفرس، واليمن كانت تحت احتلال الأحباش، بينما العرب في قلب الجزيرة في صراعات مهلكة بينهم على أتفه الأسباب، فجاء الإسلام ليس ليحررهم وبلادهم من حكم الفرس والروم بل ليجعل العرب سادة للفرس والروم ويملكون بلادهم وعواصمهم.

وإن منطق التاريخ يقول أن العرب قبل الإسلام كانوا في ضلال مبين {هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} آية2 سورة الجمعة. وهل ضلال أكبر من أن تصبح الكعبة المشرفة التي رفع قواعدها إبراهيم عليه السلام للتوحيد، وإذا بهم ينصبون حولها ثلاثة أصنام كبيرة وحولها 360 صنمًا، لكل قبيلة صنم. وهل أكبر من أن يصنع العربي لنفسه صنمًا من تمر كما قال عمر رضي الله عنه فاذا جاع أكله. فلقد جاء الإسلام ليجعل العرب يتحررون من هذا الجهل ويصبحون أمة القلم وأمة العلم.

وإن منطق التاريخ يقول إن العرب قد فسدت فطرتهم لما أصبح الواحد منهم يقتل ابنته الأنثى بيديه خشية العار، بينما يقيم الولائم إذا كان المولود ذكرًا، لأنه سيكون فارسًا يحمل السيف ويقاتل به الأعداء من القبائل الأخرى. وأن العربي فسدت فطرته لما كان يأكل حق الفقير والضعيف، وحق العبيد وحق النساء، بل كان الواحد منهم إذا مات أبوه وكانت له زوجة أخرى، فكان يرثها كما يرث الأبقار والجمال والأموال ومنهم من كان يتزوجها. لقد جاء الاسلام ليحرر العرب من كل هذه الموبقات، فكانت آيات تتلى في كتاب الله تصحح هذه المفاهيم البالية بها ينتصر للمظلوم والضعيف والمرأة.

إن منطق التاريخ يقول أن العرب قد تولعوا بالخمر، فكان لها أكثر من مائتي اسم، وكان الزنا بينهم منتشر وغيرها من المفاسد الاجتماعية، فجاء الإسلام وكما قال الدكتور يوسف القرضاوي (فجعل من هذه الأمة شيئًا جديدًا. جمع الشتات وأحيا الأموات، علمهم من جهالة وهداهم من ضلالة، وقوّاهم من ضعف. وعلمهم النظام بعد الفوضى، والطهارة بعد الإباحية، والاستقامة بعد الانحراف، والتوحيد بعد الوثنية. تعلموا بعد أن كانوا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، فأصبح العلم عندهم دين والدين علم).

إن منطق التاريخ يقول أن العربي الذي كان يسجد للحجر، أصبح لا يسجد ولا يذل لبشر، فلا يحني قامته الا لله رب العالمين، وإنه بعد أن كان محصورًا داخل الجزيرة في صراعات مع أبناء عمومته وجيرانه، وإذا به ينطلق شرقًا حتى سور الصين ويصل غربًا حتى الأندلس ويصل إلى المحيط الأطلسي، وأصبحت بغداد ودمشق والقاهرة منارات العلم في الدنيا، وأصبح علماء المسلمين هم فحول علماء الأرض.
إن منطق التاريخ يقول لنا أن القوميات قد ذابت وانصهرت في بوتقة الإسلام، فلم يمنع اللون والقوم والوطن مسلمًا أيًا كان من أن يتصدر المشهد العلمي والسياسي والاقتصادي والعسكري، فكان سلمان الفارسي وأبو بكر العربي وصهيب الرومي وصلاح الدين الكردي وطارق بن زياد البربري وقطز المملوكي ومحمد الفاتح التركي وأحمد عرفان الهندي وكان وكان.

منطق الواقع

إن الإنسان إذا مرض فإنه يذهب للطبيب ليعاينه ويشخّص مرضه ثم يعطيه وصفة الدواء الذي به سيشفى ويبرأ من مرضه بإذن الله تعالى. وإن كثيرين من الناس من إذا عادت إليهم أعراض نفس المرض بعد أشهر أو أكثر فإنه سرعان ما يذهب لشراء نفس الدواء الذي سبق ووصفه له الطبيب، لأنه قد جرّبه فكان نافعًا وبه ذهبت آلامه وعادت إليه صحته وعافيته، لا بل إنه إذا رأى أو سمع صديقًا له يشتكي من نفس الآلام فإنه يسارع لإعطائه اسم الدواء الذي استعمله هو فشفي بعد استعماله.
إنه وفي ظل ما أصبح عليه حال العرب خاصة والمسلمين عامة، من ذل وهوان وفرقة وشتات ومن تكالب الأعداء، وبعد إذ أصبحنا عبيدًا للشرق والغرب عملاء لروسيا وأمريكا، كما كان العرب يومًا تبعًا للفرس والروم، وبعد إذ رجعنا لنكون قبائل ودول متناحرة، فإنه لابد أن نعود لنبحث ونجرب الدواء الذي سبق واستعملناه. إنه منطق الواقع يقول إنه لا حل لما عليه حال العرب والمسلمين اليوم إلا بالعودة للإسلام، والتمسك بأهدابه وتطبيق شرائعه وأحكامه وأخلاقه ليكون هو العلاج والبلسم لجراحاتنا وتردي أحوالنا.

إن منطق الواقع يقول أنه وبعد أن جربت شعوبنا المشاريع الوطنية والقومية، وبعد أن رقصنا على حبال الاشتراكية وطبلنا للرأسمالية، وبعد إذ حكمنا ملوك ورؤساء، وبعد إذ هتفنا للشرق والغرب وإذا بنا نزداد بؤسًا وضنكًا، لأن كل هؤلاء كانوا لا يريدون إلا استعباد شعوبنا واحتلال أراضينا فضاعت فلسطين وضاع الجولان وضاعت سيناء، وسبق أن احتلت بلاد كثيرة من بلاد المسلمين.
إن منطق الواقع يقول أن الشعوب الإسلامية لن تتوحد على قوميات ولا على انتماءات وطنية، وأن العرب لا يجمعهم إلا دين كما قال ابن خلدون. إنه الإسلام حيث لنا القرآن الواحد والنبي الواحد والقبلة الواحدة، فلم لا يكون لنا القائد الواحد يجمعنا تحت راية الإسلام ويكون لنا الجيش الواحد والعاصمة الواحدة والعلم الواحد؟.

إن منطق الواقع يقول ومن خلال ما يكتبه أعداؤنا، إن أخشى ما يخشونه أن يعود المسلمون إلى هويتهم الإسلامية وإلى عقيدتهم الدينية، لأنهم عند ذلك سيعودون إلى مصدر قوتهم حيث لن تقف في وجههم أي قوة في الأرض، لذلك فإنهم يسعون بكل قوة لاستمرار بعدنا عن الإسلام عبر استمرار دعم حكام فاسدين هم أشد عداء للإسلام من أعدائه كما هو حال السيسي وبشار وابن سلمان، أو عبر خلق لافتات وعناوين إسلامية تسيء للإسلام وتشوه صورته حتى في نفوس أبنائه قبل أعدائه كما هو الحال في تنظيم داعش والمؤسسات الدينية التي يستخدمها الرؤساء والملوك لتجميل صورتهم واضفاء الشرعية على حكمهم الفاسد.
لقد أدرك المسلمون والحمد لله وفق منطق الإيمان ومنطق التاريخ ومنطق الواقع، ضرورة عودتهم للإسلام، وهو ما يحصل وبتسارع كبير خلال القرن الماضي. وإننا على يقين أنه إذا كان القرن التاسع عشر كان قرن المسيحية ونهضة شعوبها، وإذا كان القرن العشرين هو قرن اليهودية وقيام إسرائيل، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن الإسلام وقيام دولة الخلافة الإسلامية العالمية بإذن الله.
إن أعداءنا يدركون هذه الحقيقة لما يقول قائلهم، ليس السؤال هل سينتصر الإسلام أم لا، ولكن السؤال كيف ومتى؟. وإننا على يقين كيقيننا أن الله سبحانه واحد لا شريك له، أن المستقبل للإسلام وأنه سينتصر وأن نصره قريب قريب {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}.

رحم الله قارئا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.