المجتمعالمغربتقارير وتحقيقات

كوثر المغربية ترأس قسم الفيزياء بمختبر أرغون الامريكي

كوثر حفيظي

كوثر حفيظي:

كلما درستَ ما خلقه الله، كلما اكتشفتَ كم هو عظيم

وصلت المغربية كوثر حفيظي إلى منصب مديرة قسم الفيزياء بمختبر أرغون الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، في أول مرة تصل امرأة من شمال أفريقيا إلى هذا المنصب بواحد من أشهر مختبرات العلوم الأمريكية.

انتشر الخبر بشكل واسع في المغرب، وتلقت حفيظي الكثير من الإشادة، فزيادة على نبوغها الشخصي، قدمت حفيظي مثالا على أن بلدها قادر على إنجاب الكفاءات، وأن المرأة المغربية بوسعها اقتحام مجالات كان يظهر أنها من اختصاص غربي.

درست كوثر حفيظي في مدرسة باب مراكش بالرباط، وانتقلت إلى إعدادية عبد السلام السايح، ثم ثانوية مولاي يوسف، وبعد حصولها على شهادة البكالوريا، درست في شعبة الرياضيات والفيزياء بكلية العلوم جامعة محمد الخامس بالرباط، ثم تابعت دراستها في الخارج، حيث حصلت على  الماجستير والدكتوراه في فرنسا.

نشرت شبكة ( CNN بالعربية) الاربعاء 8 مارس 2017 حوار الخاص مع كوثر تحدثت فيه حول اختصاصها المهني ومسارها العلمي، ورؤيتها للعلاقة بين العلم والدين، كما تعطي رأيها فيما يحتاجه المغرب، فضلا عن استعادتها لذكريات من صميم تجربتها الإنسانية.

ما نعلمه عنك عموما هو اشتغالك في مجال ما تحت الذرة، كيف يمكنك تقريبنا بشكل أدق من تخصصك؟

اشتغلت لسنوات في محاولة فهم الكوارك (quark)، والغلوون (gluon)، اللذان يعدان أصغر العناصر الذرية التي تعطي البروتون (proton)، والنوترون (neutron)، والنوى (nuclei)، والذرة (atom) وكل الجزئيات التي تُرى في الكون. كما قمتُ بقيادة تجارب تحاول فهم التفاعل بين الكوارك والغلوون، وهو أقوى تفاعل يربط بإحكام القوة النووية.

عودة إلى مسارك التعليمي، لماذا قرّرت مغادرة المغرب؟

غادرت البلاد بسبب إضراب الحاصلين على الدكتوراه عام 1995 للحصول على وظائف. ونتيجة لذلك، قامت الدولة بالاستجابة لمطالبهم بينما جرى إغلاق منافذ التخرج في الدكتوراه لفترة، لذلك لم أجد بدا من السفر إلى فرنسا لاستكمال دراستي، إذ انتقلت إلى باريس لدراسة الماجستير، وهناك بدأت التحضير لنيل شهادة الدكتوراه في مجال الطاقة الذرية.

ما هي أهم الذكريات التي لا تزالين تحتفظين بها في فرنسا؟

بكل تأكيد كانت يوم حصولي على زمالة جامعية من لدن الحكومة الفرنسية لأجل التحضير للدكتوراه. في ذلك الوقت، كنت أجري تجاربي العلمية في مختبر جيفيرسون بولاية فرجينيا. قضيت هناك تسعة أشهر، وخلال هذه المدة وقعت في حب الولايات المتحدة: ثقافتها، مجال الحرية، وجود عدة موارد للبحث.. اكتشفت أنهم في هذه البلاد، لا يعيرون اهتماما لأصلك أو لمنظرك، فإذا كنت جيدا فالأكيد أنك ستنال حظك.

أنت متخصصة في مجال قليلا ما نسمع عنه، لماذا اخترت هذه الرحلة؟

عندما كنت صغيرة، كنت أسأل والدي من هو الله، وكان والدي يجيبني أنه إذا درست بشكل مطول، فربما يمكنني أن أجيب على هذا السؤال. مثل الجميع، أنا معجبة بالكون، وأتساءل من أين أتينا ولماذا تسير الأمور على هذا المنوال. وبالتالي فالعلوم وبالخصوص الفيزياء النووية قريبة جدا من الكون، فكلما درستَ ما خلقه الله، كلما اكتشفتَ كم هو عظيم هذا الإله.

لذلك فأجمل ما يمكن أن تقوم به، وهو ما يعدّ كذلك نوعا من العبادة، هو البحث العلمي فيما خلقه الله، جاء فب  القرآن الكريم: “إنما يخشى الله من عباده العلماء”.

قرأت في حوار لك أن والدك لم تكن له الموارد المالية اللازمة لتمويل دراستك بالخارج، لذلك ساهمت جدتك وخالاتك في نفقات دراستك. ما هي الذكريات الأخرى التي تحتفظين بها من تلك الأيام؟

فعلا ذلك صحيح، فإحدى خالاتي باعت مجوهراتها لأجل أن أسافر إلى فرنسا. ما أتذكره كذلك هو هذه الجملة التي اعتاد والدي أن يقولها -توفي عام 1998-: “إذا سمعت أنني توفيت، أكملي رحلتك نحو المعرفة”. إجمالا لديّ ذكريات كثيرة، منها ما هو سعيد وما هو أقلّ سعادة، لكن عندما أنظر إلى الماضي، أفرح كثيرا لما حققته.

عشت في الغرب لسنوات كثيرة، هل تعاني المرأة المغربية، والعربية إجمالا، من النظرة النمطية؟

هناك دائما نظرة نمطية في الغرب. فهي الطريقة الأسهل بالنسلة لعدد من الأشخاص لأجل لمقاربة أمور معقدة بشكل بسيط، لكن عندما يعرفونك بشكل أفضل، فهم غالبا يغيرون نظرتهم تجاهك ويعاملونك كفرد دون النظر إلى الخلفية التي أتيت منها.

كيف ترين واقع البحث العلمي بالمغرب؟ وما الذي يحتاجه المغرب في هذا المجال؟

العلوم عموما تحتاج إلى موارد، بالإضافة إلى ملاءمة التعليم مع هذه الموارد. كالعديد من البلدان الأخرى، المغرب يتوّفر على عدة كفاءات تحتاج التشجيع. أستحضر هنا مثاليْ الهند وماليزيا اللتان استقطبتا الصناعات التكنولوجية لتوفرهما على تعليم قوي، كي أقول إن المغرب يحتاج إلى جامعات متطورة بوسعها احتلال مراتب متقدمة على صعيد الجامعات العالمية، كما يحتاج كذلك إلى استراتيجية جديدة في مجال تعليم الأجيال القادمة، والأكثر أهمية، يحتاج إلى تبليغ رسالة قوية للأجيال الشابة حول أهمية العلوم.

بعيدا عن العلوم، قرأت أنك كنت تلعبين في الفريق النسائي المغربي لكرة القدم، هل هذا صحيح؟

نعم، فقد كنت لاعبة ماهرة، وفي الرباط، كانوا يطلقون عليّ لقب مارادونا. لعبت لفترة قصيرة مع اتحاد تواركة، لكن في الفترة التي كانوا فيها يجمعون لاعبات المنتخب، كنت مضطرة للمغادرة في اتجاه باريس.

غير كرة القدم، هل يمكن أن تقربينا من كوثر بعيدا عن المجال المهني؟

سني حاليا 44 عاما، متزوجة من باحث فيزيائي من أصل تونسي. تزوجنا عام 1998 عندما التقينا في باريس، وحين انتقلت إلى الولايات المتحدة انتقل معي. انضم زوجي إلى معهد أرغون كباحث وهو يعمل كذلك في قسم الفيزياء. لدينا ابن يبلغ من العمر 11 سنة اسمه عمر.

ختاما، أنت تمثلين مثالا ناجحًا للباحثين الشباب في المغرب، ماذا يمكنك أن تقولي لهم؟

الحياة قصيرة ولدينا تصويبة واحدة تجاهها، لذلك من الأفضل أن نستخدمها بشكل أفضل. العلوم مهمة بشكل كبير، فهي تحدد حاليا قيمة الأمم والبلدان. إذا كان لديك حلم، عليك أن تثابر لتحقيقه دون أن تعير اهتماما لمن يريد تثبيط عزيمتك. العلم هو أكثر من مجرد عمل، هو شغف وطريقة في الحياة. لذلك أشجع كل واحد أن يتابع مساره في العلوم والتكنولوجيا، لأنهما يستحقان بالفعل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.