عندما نعد طلابنا للقرن الحادي والعشرين علينا أن نختار واحداً من اثنين: إما أن نترك ما يأتي به المستقبل يطغى علينا، أو نحاول المشاركة في تشكيل هذا المستقبل.
و في سبيل ذلك فنحن أمام العديد من الأسئلة الصعبة تبحث عن إجابات، أو على الأقل تتطلب اهتماماً واعياً مركزاً، ومنها:
ما الذي يجب أن نفعله اليوم لإعداد طلابنا للقرن الحادي والعشرين؟،
وما الذي يحتاجه طلابنا من معارف ومهارات؟.
وما أنماط السلوك التي ستكون مهمة في المستقبل، والتي يجب أن يتقنها الطلاب كشرط للنجاح في الحياة في القرن الحادي والعشرين؟.
وكيف يمكن للآباء والمدارس والحكومة ورجال الأعمال أن يسهموا بفاعلية في إعداد الطلاب للقرن الحادي والعشرين؟.
وللإجابة عن هذه التساؤلات قامت الرابطة الأمريكية لمديري المدارس بإعداد الكتاب الذي بين أيدينا (إعداد الطـلاب للقرن الحادي والعشرين ) تأليف: دونا أوتشيدا – مارفين سيترون – فلوريتا ماكينزي. والذي يعد بحق من المراجع التربوية الهامة والمفيدة للمعلمين والآباء والمربين وصانعي القرار، ولقد استعانت الرابطة الأمريكية لمديري المدارس لإنجاز هذا العمل المتميز بخبرة وآراء خمسة وخمسين من المستشارين الذين ينتمون إلى تخصصات مختلفة مثل: التعليم والأعمال والحكومة وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم السكان، والدراسات المستقبلية وغيرها، وعرفوا “بمجلس الخمسة والخمسين”، وطُلب إليهم الإجابة عن الأسئلة المحورية السابقة، وقامت الرابطة بتصنيف هذه الإجابات، وأخرجت لنا هذا الكتاب، الذي قام بترجمته إلى العربية الأستاذ الدكتور محمد نبيل نوفل بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق.
ويقع هذا الكتاب في مائة صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من خمسة فصول هي خلاصة آراء مجلس الخمسة والخمسين في الأسئلة المحورية السابقة، وفيما يلي نعرض ونحلل أهم ما جاء بكل فصل من فصول هذا الكتاب.
الفصل الأول:
خصص للإجابة عن التساؤل التالي: ما الذي يجب أن يعرفه الطلاب للنجاح في القرن الحادي والعشرين؟ ولقد توصل مجلس الخمسة والخمسين إلى أن الطلاب لكي يكونوا متعلمين تعليماً جيداً ومستعدين للمستقبل فهم بحاجة إلى إعدادهم في ثلاثة محاور يكمل كل منها الآخر.
خصص المحورين الأول والثاني للمحتوى الأكاديمي والمهارات الأساسية التي يجب أن تشكل محتوى التعليم، ولقد حدد مجلس الخمسة والخمسين أن الطلاب بحاجة إلى :
- استخدام الرياضيات والمنطق ومهارات التفكير، والتعليم الوظيفي والعملياتي، وفهم مبادئ الإحصاء، وأكدوا على أن الطلاب سوف يحتاجون لأن يعرفوا كيف يفسرون الإحصائيات، ويتأكدون من صدقها، واستخدام الإحصائيات السليمة لدعم أفكارهم، بالإضافة إلى أنهم يجب أن يمتلكوا القدرة على غربلة وتقويم أكوام المعلومات التي سوف تنهمر عليهم من مصادر متعددة ومتزايدة، تتراوح من الكتب المدرسية إلى شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت).
- اكتساب المهارات الأساسية للتعامل مع الآخرين، والتي تأتي في مقدمة العوامل التي تيسر لهم الحصول على العمل، أو الفصل منه، بالإضافة إلى المقدرة على أن يكون الفرد جزءاً من فريق، وأكدوا على أن قاعة الدراسة يجب أن تكون مختبراً للتدريب على اتخاذ القرارات بطريقة تعاونية وبناء الروح الجماعية، كما حثوا المعلمين ومديرين المدارس على أن يكونوا نموذجاً وقدوة لطلابهم.
- استخدام التقانة في الوصول إلى المعلومات وفي مهارة معالجتها بطريقة فعالة، بحيث يعمل التعليم على تمكينهم من صنع المعلومات وتطوير المعرفة.
- معرفة وفهم التاريخ والجغرافيا، ونظم الحكم، والقضايا المتعلقة بالوطنية، والشئون الدولية، بما يساعد على الحياة بفاعلية في مجتمع ديمقراطي.
- اكتساب مهارات القراءة الكتابة والتحدث بما يمكنهم من الاتصال بفاعلية، حيث تعد هذه المهارات من العناصر الأساسية للتعلم والثقافة، فهي مفتاح الاتصال الفعلي بالآخرين، كما أنها تتطلب إعمال الفكر، وثبعث على الشجاعة، لأن عرض الأفكار على الآخرين يجعلها مطروحة للفحص والنقد.
- اكتساب قاعدة من المعرفة العلمية، تشمل العلوم التطبيقية، وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يقتصر على مجرد اكتساب المعلومات عن العلم، فالعلم مرتبط بالتعامل مع العالم المادي، فهو مخاطرة وتجريب وإخفاق واكتشاف. لذلك يجب أن يعيشه الطلاب في قاعات الدراسة.
- فهم التعدد الثقافي وتقبله، حيث يمكن أن يزيد التنوع الثقافي حياتنا ثراءً، إذا كانت معالجته سليمة، أما إذا أسأنا معالجته، فقد يتحول إلى عامل للفرقة، والمفتاح هو التعليم.
- معرفة لغات أجنبية، وذلك لأن العجز في التواصل مع الآخرين باستخدام اللغات الأجنبية يصبح عقبة فادحة الثمن.
- اكتساب مهارات حل المشكلات، وتحمل المسئولية، والانضباط، النجاح في العمل، والتكيف والمرونة، وحل الصراعات والتفاوض.
- المقدرة على القيام ببحوث وتفسير المعطيات وتطبيقها، وما يتطلبه ذلك من ضرورة صقل مهارات الطلاب في التعامل مع المكتبات وشبكات المعلومات، بحيث يستطيع أن يصل إلى المعلومات بسهولة، ويؤدي هذا بدوره إلى نقل التركيز من التعليم إلى التعلم، والتعلم في جوهره عملية مستمرة.
وخصص المحور الثالث للسلوكيات التي يجب أن يتسم بها ويمارسها طلاب القرن الحادي والعشرين، ويرى مجلس الخمسة والخمسين أن الطلاب إذا كان لهم أن ينجحوا في المستقبل فعليهم بالسلوكيات التالية:
- فهم وممارسة الأمانة والاستقامة.
- احترام قيم العمل،وفهم أخلاقياته.
- فهم واحترام الآخرين الذين يختلفون عنا، والمقدرة على العمل معهم كعضو في فريق.
- تحمل الفرد مسئولية أعماله.
- احترام السلطة
- الالتزام بالحياة الأسرية، والحياة الشخصية، والمجتمع المحلي.
- الاعتزاز بالمواطنة، ومعرفة مسئوليات الفرد في مجتمعه.
- الرغبة في حل المنازعات بطرق سلمية
- تقدير المربين واحترامهم
- الإقبال على الحياة، ووضع أهداف أخرى للتعلم مدى الحياة.
الفصل الثاني:
خصص للإجابة عن التساؤل التالي: ماذا تستطيع المدارس أن تفعل لإعداد الطلاب للنجاح في القرن الحادي والعشرين؟ وللإجابة عن هذا التساؤل اقترح مجلس الخمسة والخمسين ما يلي:
- دمج تقانة السوق في عملية التعلم، بحيث تصبح جزءاً من متطلبات التخرج، والتأكد من أن التقانات الجديدة تدمج بانتظام في البرامج المدرسية.
- احترام قدرات جميع الطلاب على التعلم، وذلك عن طريق تشجيع التعلم الإيجابي بدلاً من التعلم السلبي، وتشمل بعض ممارسات التعلم الإيجابي: القيام بمشروعات عملية، والتساؤلات السقراطية، والتعلم التعاوني، وتداول الأشياء، والتجارب والرحلات الميدانية. والأخذ في الحسبان بأن الكائنات البشرية على اختلاف قدراتها قادرة على تطوير سبعة أنواع مختلفة من الذكاء : اللغوي، والمنطقي، والموسيقي، والمكاني، والبدني، والتفاعلي، والذاتي.
- تكريس مزيد من الوقت للتنمية المهنية للمعلمين والإداريين.
- تطوير معايير عالمية للتحصيل، وإيضاح المتوقع من الطلاب، حيث يجب علينا أن نعرف إلى أين نسير، إذا أردنا أن نعرف متى نصل إلى هناك.
- توفير وقت أطول للتلاميذ والمعلمين للعمل في مشروعات واقعية.
- زيادة اهتمام الآباء والمجتمع المحلي بالمدارس ومشاركتهم في شئونها.
- تقوية سلطة وسيطرة المدارس والمعلمين.
- خلق أنظمة جديدة تدعم الروابط بين المدرسة والمنزل ومكان العمل، وتكمل التعلم المدرسي.
- إبراز البعد الدولي في المنهج، من خلال تناول موضوعات التعدد والتنوع الثقافي، والمنافسة العالمية.
الفصل الثالث:
خصص للإجابة عن التساؤل التالي: كيف يمكن للآباء أن يسهموا في إعداد الطلاب للنجاح في القرن الحادي والعشرين؟ وللإجابة عن هذا التساؤل اقترح مجلس الخمسة والخمسين أن على الآباء القيام بما يلي:
- العمل بالتعاون مع المعلمين والمدرسة، وزيارة المدرسة والاتصال بها، وذلك لأن الدراسات أوضحت أن ضعف مشاركة الآباء واهتمامهم تمثل مشكلة خطيرة في العديد من المدارس، وأنها تميل إلى التناقص والضعف الشديد مع تزايد أعمار الطلاب، ولكن عندما يعمل الآباء على نحو وثيق مع المعلمين والمدرسة فإن الطالب هو الفائز، بل وتكسب جميع الأطراف.
- دعم التعليم والمدارس، والاهتمام كل فعال بالعمل المدرسي للطلاب.
- توفير بيئة تعليمية منزلية مجدية مستقرة، من خلال توفير المواد القرائية المتنوعة، وتزيين حجرات الأطفال باللوحات التي تمثل خرائط العالم، بالإضافة على الاستقرار الأسري.
- تقديم قدوة خلقية في السلوك واتخاذ القرار، من خلال التحدث عن القيم، والتفكير في الرسالة التي ينقلونها بتصرفاتهم،دعم قيم الأبناء، وتعليم الأبناء كيفية اتخاذ قرارات مسؤولة.
- دعم تقدير الأطفال لأنفسهم عن طريق الاهتمام والرعاية.
- تقدير مفهوم التعلم مدى الحياة، وتقديم نموذج عملي له.
- القراءة للأطفال ومعهم. حيث تعد القراءة الجهرية للأطفال أهم عامل في نجاحهم فيما بعد.
- قضاء وقت أطول وأفضل مع الأبناء، ومراقبة إتمام الواجبات المنزلية، وتوفير الإرشاد للوصول إلى الأهداف.
- تنمية مهارات استخدام وسائل الإعلام، والإفادة من أفضل ما يقدمه التلفاز، من خلال استخدام التلفاز لإثارة حب الاستطلاع عند الأبناء، وقراءة المزيد حول الموضوع، ومناقشة وجهات النظر المختلفة، ووضع حدود زمنية لمشاهدته والالتزام بها.
الفصل الرابع:
-
خصص للإجابة عن التساؤل التالي: كيف يمكن للمواطنين والحكومة العمل معاً من أجل إعداد الطلابللقرن الحادي والعشرين؟ وللإجابة عن هذا التساؤل اقترح مجلس الخمسة والخمسين أن على المواطنين القيام بما يلي:
- تخصيص الأموال والضرائب كاستثمار طويل المدى، والنظر للأبناء على أنهم استثمار وليسوا تكلفة،والاهتمام بالطريقة التي يستخدم بها التمويل.
- التدليل على أنهم يقدرون التعليم، ويفهمون العلاقة بينه وبين قوة الأمة.
- زيارة المدارس والحصول على معلومات عن القضايا المهمة، والمشاركة في انتخاب قيادات مدرسية تتسم بالاهتمام بشئون التعليم.
- المشاركة في عمل المدارس كمتطوعين ومرشدين وقدوة للطلاب.
أما الحكومة فعليها القيام بما يلي:
- المساواة في التمويل لضمان توفير التعليم للجميع.
- توفير التمويل اللازم للتعليم.
- دعم التطوير المهني للمعلمين والإداريين.
- الامتناع عن إصدار تكليفات بمهام لا يتوفر تمويل لتنفيذها.
- تطوير معايير للمحاسبة.
- توفير حوافز عن طريق تشجيع التجديد.
- هيكلة البحوث بحيث تتماشى مع الحاجات الحاضرة والمستقبلية.
الفصل الخامس:
خصص للإجابة عن التساؤل التالي: كيف يمكن لمؤسسات العمل والقادة المهنيون المشاركة في إعداد الطلاب للقرن الحادي والعشرين؟. وللإجابة عن هذا التساؤل اقترح مجلس الخمسة والخمسين أن مؤسسات العمل والقادة المهنيون يمكنهم المشاركة في ذلك من خلال:
دعم الضرائب، تطوير سياسات مرنة للشركات تشجع العاملين بها على الاهتمام بأمور المدارس والمشاركة فيها، والمشاركة في توفير الموارد للمدارس، تطوير مشاركات مع المؤسسات التعليمية، توظيف العاملين الأكفاء، إعلاءمكانة التدريس والتعليم وتقديم القدوة في السلوك معنوياً وخلقياً. واختتم الفصل بالإشارة إلى التعليم الفني ودوره في خدمة المجتمع، وضرورة مشاركة مؤسسات العمل والإنتاج في تطويره.
وفي نهاية هذا العرض الموجز، فإننا ننصح كل أطراف العملية التعليمية لقراءة هذا الكتاب قراءة متأنية، والاستفادة مما أثاره من قضايا هامة، يتوقف عليها تقدم الأمم، وخاصة تلك القضايا المتعلقة بالتعليم والمستقبل.