رغم الحملات الرهيبة التي تحاول وصم الاسلام بالإرهاب ، وتخويف العالم من المسلمين ، ووصف الإسلام بالتخلف والرجعية ، ومحاولة إرجاع أسباب تخلف بلاد المسلمين الى اعتناقهم الدين الاسلامي ، فإننا نرى دخول ابناء الدول المتقدمة ( ابناء الولايات المتحدة الامريكية ودول اوربا ) في دينالاسلام ظاهرة عجيبة تعود الى معرفتهم حقيقة الدين الاسلامي العظيم وانه دين الفطرة ، حيث لم يدخلوا الاسلام بالقوة كما يحاول أعداء الامة وصم الاسلام بذلك ، بل يلتحقون بالإسلام بكامل حريتهم وارادتهم ، ويدركون ان اسباب تخلف المسلمين ليس لاتباع دينهم ، بل اسباب تخلفهم تعود الى تخليهم عن الاسلام الحقيقي وابتعادهم عن شريعتهم الآلهية .
فلولا الدين الاسلامي الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم واعتزاز اصحابه وأتباعه والتزامهم بشريعته وأخلاقه لما انتقل العرب البدو من رعاة ابل وغنم في صحراء قاحلة لا يعلم عنهم احد الى انتصارهم على أعتى الامبراطوريات التي كانت تحكم العالم ، والوصول بدينهم العظيم الى أسيا وإفريقيا وقلب أوربا في فرنسا في مدة قصيرة ، بل ويتحول سكان البلدان والمناطق التي وصلوا اليها الى مسلمين يعتنقون الاسلام عن قناعة وحب ، ويدافعون عن هذا الدين ويفتحون به مُدناً جديدة لترى نور الإسلام الذي رأوه ..
واليوم مع قصة من قلب الحضارة الغربية .. من الولايات المتحدة الامريكية قلب الحضارة والتكنولوجيا والقوة في العصر الحديث. قصة اسلام الكاتبة الامريكية ((باربارا براون)) .. تقول بربارا براون : نشأت كنصرانية ، وترعرتُ في كنف طائفة بروتستانتية ، ورغم الصلاة في الكنيسة مرتين كل أحد وفي العطلات ، وتعليم نصراني خاص يوم الأحد ، ومدارس صيفية لدراسة الكتاب المقدس ، ومعسكرات دينية ودروس عقائدية كنسية ، ومجموعات شباب نصرانية ، إلا أنني أواجه نفسي بأسئلة عديدة لم يستطع أي شخص ولا أية طريقة دينية أن تجيب عليها . تستطرد الكاتبة الامريكية قائلة : “وطوال عمري البالغ ((37)) ظللت تائهة بخصوص الله والطريقة الصحيحة لعبادته حتى عام 1991م حينما كان نزاع ((عاصفة الصحراء – لإخراج العراق من الكويت)) ، و كان النزاع في الشرق الاوسط على أشده “. كانت هذه الفترة عصيبة وكل أنظار العالم تتجه الى منطقة الشرق الاوسط خصوصا منطقة الخليج العربي النفطية التي تشهد اجتياح العراق لدولة الكويت ، واحتمال انقطاع النفط الذي يمثل شريان الحياة للحضارة الغربية ، وانقلب العالم رأسا على عقب وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وارسلت حاملات طائراتها واستنفرت جيوشها وقواعدها العسكرية وأنشأت حلفا عالميا جمع كل دول العالم تقريبا بقاراته الخمسة بما فيهم جيوش المسلمين. وبالإضافة الى ذلك استنفرت الولايات المتحدة الامريكية كافة وسائل الإعلام العالمية وأقامت الدنيا ولم تقعدها ضد العراق ، وأعطت صورة همجية متخلفة لمنطقة الشرق الاوسط وسبب ذلك سكانها المسلمين الذين يسيطرون على معظم بترول العالم ويهددون الحضارة الغربية في حال قطع هذا الشريان النفطي ، مما لفت نظر كثير من سكان العالم الى منطقة الشرق الأوسط ومحاولة معرفة طبيعة تلك المنطقة و طبيعة سكانها الذين يهددون العالم.
وتستطرد الكاتبة الامريكية : بينما كان نزاع عاصفة الصحراء على أشدة عام 1991 ، ذهبت الى مكتبة محلية ، وبينما أفحص كتب استراتيجية الحروب والاسلحة ، ظهر ((كتاب صغير)) عنوانه ((فهمُ الاسلام)) ، وأمسكت الكتاب – ليس للقراءة عن الاسلام والايمان به- إنما من باب الفضول لمعرفة هذا الدين الغامض المنتشر في الشرق الاوسط.
ثم تقول : “تحول الفضول عندي بسرعة الى إندهاش ، عندما عرفتُ من خلال صفحات ذلك الكتاب “الصغير” أن الإسلام أعطاني الأجوبة لتلك الاسئلة التي كانت تنتابني طيلة سنوات عمري ال (37). وأخيراً توصلت الى ذلك الهدف ، وهو أن أكون في سلام داخلي نفسي بخصوص علاقتي مع الله .. لقد اصبحت مسلمة “.
وبما انها كاتبة صحفية تستطيع التعبير عن نفسها وافكارها ، رأت ان من واجبها ان تُخاطب الأخرين الذين يعانون من نفس معاناتها من الشكوك بخصوص الدين رغم ان المقالات التي ستكتبها ربما تصدم بعض القراء لأن البحث عن الحقيقة ليس سهلا خاصة فيما يتعلق بالعقائد والمبادئ التي يعتنقونها لسنوات طويلة.
وبدأت الكاتبة باربارا براون في كتابة المقالات عن النصرانية، أبرزها :
1. ثلاثة في واحد : نظرة الى العقيدة النصرانية في التثليث ، وقد طُبعت في بداية عام 1993م من قِبل مدرسة شيكاغو المفتوحة .
2. مقالة بعنوان :نظرة عن قرب نحو الديانة النصرانية ، وهي دراسة عن العقائد النصرانية .
3. مقالة بعنوان : حالة في الفساد ، وهي دراسة في تحريف النص في الكتاب المقدس.
وقد جمعت هذه المقالات مع بحوث أخرى وأصدرت كتابا باللغة الانجليزية في عام 1993 بعنوان :
((نظرة عن قرب في النصرانية)) وكتبت في مقدمة الكتاب :
(أن نكون في سلام مع انفسنا بخصوص الله : هذه ببساطة هي الفكرة وراء هذا البحث كله. إن الكثير منا يعيش حياته راضيا بقبول الاشياء (كما هي) ونترك الاسئلة الصغيرة المنكدة والشكوك التي تتوارد على أذهاننا وخصوصا في القضايا التي تتعلق بالدين ، ثم نمضي في رحلة الحياة لكننا لا نستطيع أبدا أن نصل الى الحالة من السلام داخل نفوسنا. والبعض منا غير مستعد بالقبول الأعمى رغم صعوبة الطريق ، ولكن المكافأة الكبرى هي الوصول للحقيقة) . وتختم الكاتبة الامريكية التي اهتدت للإسلام (( بربارا براون) مقدمة كتابها بتلك الكلمات : ((إني لآمل في الصفحات التالية أن تتاح الفرصة للقراء ليبصروا وجهة النظر حول النصرانية كما تيسَّر لي أن افهمها)).
وجاءت موضوعات عديدة في هذا الكتاب منها :
• ميثاق يصيبه الانحراف : تتحدث عن مرحلة ارهاصات ظهور المسيح تؤكد: لأجل أن نفهم الرسالة الحقيقية للمسيح ، يجب علينا أن نعود الى التاريخ قبل ظهور المسيح لنجد لماذا أُرسل المسيح أصلا، أرسل لأن اليهود قد انحرفوا عن التوحيد تحت طقوس وشعائر معقدة.
• وعن رسالة ” المسيح السماوية ” ، وكيف طرأ عليها التغيير فجأة عندما ظهر على المسرح واعظ ادعى بأنه يتكلم باسم المسيح بعد سنوات قليلة من رحيل المسيح ،ذلك هو الشاب اليهودي “شاؤول” المولود في طرطوس ، والعضو في طائفة يهودية تُسمى الفريسيين التي تتميز بتمسكها الأعمى بالمظاهر والطقوس. (للعلم طرطوس في سوريا وليست في فلسطين).
وتقول :رغم ان الديانة النصرانية تأخذ اسمها من عيسى المسيح إلا أن شاؤول الذي غير اسمه الى ((بولص))هو مؤسسها الحقيقي ، والنصارى لا يذكرون هذا ، كما ان تعاليم بولص المؤسس الحقيقي للنصرانية لا نجدها في تعاليم عيسى أو الانبياء الذين سبقوه ، كما ان بولص لم يكن على اتصال إلا مع قلة من الحواريين الحقيقيين ولم يكونوا على وفاق مع تعاليم بولص المبتكرة. فالنصرانية التي نادى بها بولص واحرز فيها النجاح وتقول :” إن بولص واصحابه تغلبوا على الحواريين الحقيقيين لعيسى في الوجاهة الاجتماعية والثروة والتعليم ، ولذلك حصل على اتباع كثيرين من بين السكان غير اليهود. فالنصرانية اليهودية أي ((عقيدة حواري عيسى)) لم تكن لها اية فرصة للنهوض.
وتلقي نظرة من قرب على كل البدع التي ادخلها بولص في “ديانته النصرانية” كالتثليث ، وألوهية عيسى، والخطيئة ، والخلاص …
وتخلص الكاتبة الامريكية الى أن الاسلام هو الدين الحق ، فهو دين بسيط ليس فيه تعقيدات أو كهنوت ولا قديسون ولا مراتب دينية. إن اللاهوت ليس له مكان في الاسلام لأن الاسلام اسلوب حياة .. وهكذا يتضح ان الاسلام هو الحل الناجع الوحيد الذي لا مناص للبشرية المعذبة أن تأوي ذات يوم الى كنفه ، طال الوقت أم قصر. كتاب المسلمات الحديثات في القرن العشرين “.
إن المتأمل لإسلام الكاتبة الامريكية “باربارا براون ” يستخلص منها دروس هامة أهمها :
1. قصة اسلام تلك الكاتبة الامريكية توضح للقارئ مدى قوة الاسلام الذاتية ، ففي لحظة الهجوم الامريكي على المسلمين في الحملة العسكرية الرهيبة التي اجتمعت فيها جيوش العالم واتحدت مع الجيش الامريكي فيما يسمى بعاصفة الصحراء ضد العراق ، في نفس التوقيت بدأت قصة اسلام تلك الكاتبة الامريكية ، وهذا هو الشئ العجيب في دين الإسلام الذي ينصره الله بكافة الوسائل ،بل وينصره بواسطة اعداءه ، فما أعظمه من دين لو تمسك به اهله واحتموا فيه بشكل حقيقي ..
2. لم يكن عند الكاتبة الامريكية أي فكرة ايجابية عن الاسلام عند دخولها المكتبة تبحث عن كتب السياسة والاستراتيجيات العسكرية لتكتب مقالات ضد الاسلام والمسلمين ، فيلفت نظرها كتاب (((((((صغير)))))) لم تستغرق قرائته دقائق حتى ملأ نور الايمان قلبها ، وينشرح صدرها ، وتغيرت ألوان الحياة في عينها ، وانقشع الظلام الذي غطى حياتها 37 سنة ، فما أجملها من لحظات تبكي فيها الدموع وينحني فيه القلب لله في خشوع. 3. تنكشف قوة ايمان تلك الكاتبة الامريكية واقتناعها بالدين الاسلامي وشهادة التوحيد في الايجابية الحقيقية التي بمجرد إسلامها انطلقت في كتابة مقالات قوية عن عقيدة التثليث تثير فيها انتباه النصارى وتنقض فيها النصرانية تصدر عن النصرانية. 4. رغم أن “باربارا براون” تكتب في الصحافة والاعلام وترتاد المكتبات العامة والخاصة وتقرأ في كتب السياسة والفكر والاقتصاد والاستراتيجيات إلا أن دعوة الاسلام لم تصل اليها وعمرها 37سنة ، وهذا يفضح التقصير الإعلامي في الدول العربية و الاسلامية كما يكشف عجز الدعاة والجهات الدعوية عن اداء دورهم المنوط بهم وانشغالهم بقضايا اخرى غير قضايا الامة الرئيسية ، وتركوا الساحة خالية يعبث بها أعداء الأمة من المستشرقين من اليهود و النصارى وتشويه صورة الاسلام على النحو الذي نجني ثماره في القرن الواحد والعشرين من اعلان اليهود الصهاينة بيهودية دولة اسرائيل على كامل ارض فلسطين واعتراف الرئيس الامريكي ترامب بالقدس عاصمة ابدية لدولة اسرائيل المزعومة.
5. نسمع في كافة وسائل الاعلام العربية الطنطنة الدائمة عن الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والولايات المتحدة الامريكية ودول اوربا ، والشراكة الاستراتيجية تعني شراكة كافة المجالات السياسية والاقتصادية و الثقافية والفكرية والدعوية خاصة ونحن امة الاسلام وأمة خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ،فأين هذه الشراكة في الوقت الذي لا يعرف فيه مثقفو امريكا شيئا عن الاسلام في القرن الواحد والعشرين؟؟ فهذه ليست شراكة وانما انحناء للآخر والخضوع له ، و التقاعس عن فكر امتنا الاصل المتمثل في ديننا الاسلام العظيم.
6. يؤدي إهمال الدعاة دعوتهم الى الله في الدول الاوربية والولايات المتحدة الامريكية الى إخلاء الساحة تماما للمذاهب المتطرفة والجماعات المنحرفة وكل اعداء الأمة لتشويه الإسلام وصورة المسلمين ويدعم الارهاب باسم الاسلام ويثير العداء بين الاسلام والشعوب الاخرى التي تتشوق للإسلام .
7. ان الشر يأتي في طياته الخير ، وان المحن قد يكمن فيها المنح ، وان مع العسر يسرا ، فقد جاءت عاصفة الصحراء ورأى البعض ضررا فيها ضد الاسلام ، إلا أنها فتحت عيون كثيرين من ابناء الغرب للبحث عن الاسلام ،ففتح الله بصائرهم فدخلوا في دين الاسلام .
لقد وهبنا الله دينا عظيما ، ونبيا رحيما ، وعقيدة سمحة ، وجعلنا الأمة الخاتمة للأمم والانبياء و التي يفترض فيها أن تقوم بوظيفة كل الانبياء في اصلاح البشرية ونشر العدل والحرية والسلام ، فإذا حققنا الإسلام في أنفسنا عقيدة وشريعة واخلاقا ، وتحركنا بهذا الدين لإنقاذ البشرية مما تعانيه من انحراف وفساد وظلم واعتداء واستبداد وقهر ، سوف يفتح الله لنا الدنيا ويغمرها بالخير والنماء ، واذا تقاعسنا نشر ديننا سوف يستبدلنا ربنا وتكون سوء العاقبة مثلما نرى الآن.