لماذا يمثلني ابو تريكة

كتب/خالد خطاب.
أعدها للنشر/هاني حسبو.
مازالت أصداء حدث إنكار محمد ابو تريكه لظاهرة مساندة الشواذ بالدوري الانجليزي مستمرة.
ومازالت دعوات التأييد تأتي من كل حدب وصوب.
المقال التالي يوضح كاتبه لماذا ابو تريكه يمثله ولماذا هو من المؤيدين لموقفه هذا:
ابوتريكةيمثلني ليه ؟
مواقف المشاهير، من أهل الرياضة أو الفن أو السياسة أو البيزنس من أي قضية تُثار، أفهمها في ضوء هذا الحديث، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ). أخرجه الترمذي عن كعب مالك، وصححه.
ومعنى الحديث: أن حرص المرء على المال وحرصه على الشرف والمجد يأكلان من دينه، كما يأكل ذئبان جائعان أرسِلا في غنم!
ولفظ “الحرص” في منتهى الدقة، فإن الحديث لا يذم طلب الدنيا، وإنما يذم “الحرص”، الذي يؤدي إلى تجنّب أي شيء يعرض دنياك للخطر، صارت هي أكبر همك، ومبلغ علمك، فماذا سيبقى لك من دينك؟
ما بلغه “نجوم” المجتمع، في الرياضة أو الفن أو البيزنس او السياسة، هو بمقاييس الدنيا شيءٌ لم يحصّله أغلب البشر، وبالتالي حرصهم عليه يكون أشد وأشد، لذلك قلّ جدا أن تجد منهم من يقف موقفا يرضي الله أو يتسق مع الأخلاق أو يعرّض حالة النجومية تلك للخطر، بل يتعارف وسط النجوم هذا فيما بينه على “كود” قوامه التملّق والنفاق واتباع الغالب والأنانية والمصلحة الشخصية.
من هنا، كان بروز نموذج يخالف هذا الكود، ملهما للغاية، لماذا؟
لأنه يقرر أن الشرف والمنزلة المرموقة بل و”النجومية” لا تساوي دوما الخسة والفردانية والافتتان بزينة الدنيا، بل يمكن أن نجد من يفهم فلسفة الإسلام في المال والشرف وكل طيبات الدنيا، ويطبقها.
فما هي تلك الفلسفة؟
فلسفة طيبات الدنيا -منها المال والشرف- في الإسلام مبنية على مفهوم “الاستخلاف”، لا “التملّك”.
أي أن هذا الشرف أو المال ليس ملكا لك في الحقيقة، بل أنت مستخلف فيه من الله، وبالتالي فلمالكه الحقيقي عليك فيه حق.
فإن كان حق الله في المال الزكاة، فما حق الله في الشرف والتمكين و”النجومية”؟
نعرفه من هذه الآية:
((ٱلَّذِینَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا۟ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡا۟ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ)!
فالمقام المحترم بين الناس لا لتُرضي به غرورك وتتفاخر ببريق أضواء الكاميرات على وجهك، بل إنما هو صورة من صور التمكين، وحق الله فيه إقامة الدين ما استطعت، أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر.
ومن نال المقام الرفيع بين الناس فقد ازداد بلاؤه، لا العكس! وذلك لأن دائرة تأثيره تتسع جدا، وبالتالي تكون كلمة الحق بالغة الآفاق، وكذا يكون السكوت عنها خذلانا للملايين!
وكلمة الحق هنا والله لهي من أشد الأمور مخالفة للهوى! وذلك لأن الدنيا تزداد حلاوة، فيكون تعريضها للتهديد أصعب..
يكفيك أن تعلم أن بني إسرائيل نجحوا في ابتلاء الاستضعاف، فصبروا أبلغ صبر على بطش فرعون.
ولكن ما أن تمت عليهم نعمة ربهم إلا ورسبوا في اختبار التمكين، وصاروا مضرب المثل لمن أفسد الذئبان الجائعان دينهم.
فلحرصهم على المال حرفوا كتابهم، ولحرصهم على الشرف كذّبوا خير نبي، أن لم يكن منهم!
أبو تريكة سعى لتحقيق المال والشرف، نعم، لكن هل أسلم دينه فريسة للذئبين جائعين؟
الواقع يشهد بالعكس، وأنه استطاع ترويض الذئبين، بحقٍ معلوم خصصه للمساكين في ماله، وبنصرة للدين والمستضعفين وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ولو خصم ذلك من شهرته أو هدّد نجوميته، أو خالف به قواعد الوسط الذي بنجاحه وتميزه صار منه.
من هنا كان أبو تريكة لا يمثلني فقط، بل إنه النموذج الذي أرجو من الله أن يمنّ على أولادي بشيء منه، إذ هو حجة علينا وإلهامٌ لنا، أن المسلم لا يلزم أن يكون ضعيفا مهمّشا بلا وزن أو رأي، بل إن موقعه المناسب هو القيادة والتميز، لكنه في ذات الوقت قادر على التضحية بهذه المزايا، إن كان في ذلك رضا مولاه، ومراد ولي نعمته.