أراء وقراءات

لماذا ينتحر الإسرائيليون في حربهم ضد الفلسطينيين؟

أرقام صادمة تفضح الانهيار النفسي داخل الجيش الإسرائيلي

بقلم: ممدوح الشنهوري*

ما بين عامي 2024 و2025، سجلت إسرائيل ما لا يقل عن 36 حالة انتحار في صفوف جنودها، وفقًا لما كشفه موقع هآرتس الإخباري الإسرائيلي. هذه الأرقام تمثل صدمة كبيرة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتضع الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو في مأزق سياسي وأخلاقي، خاصة مع عجزها عن تبرير هذه الظاهرة المتصاعدة أمام الإعلام والرأي العام الإسرائيلي.

ففي ظل حرب مستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، ودون أي أفق حقيقي للنهاية، بدأت الروح المعنوية لجنود الاحتلال في الانهيار، ليبرز الانتحار كواحد من أخطر مظاهر الانكسار النفسي والعقائدي في صفوفهم.


مأزق نتنياهو: بين أطماع السلطة وفشل الحسم العسكري

نتنياهو، المحاصر بأزماته السياسية والاتهامات الجنائية، يرى في هذه الحرب طوق نجاة سياسيًا يعزز بقاءه في الحكم. لكنه يواجه حقيقة دامغة: عجز إسرائيل عن القضاء على حركة حماس أو تحقيق أي انتصار ميداني رغم استخدام أقصى درجات العنف والدمار ضد المدنيين الفلسطينيين.

هذا التناقض الصارخ بين الخطاب الانتصاري المزيف، والواقع الميداني الذي يكشف عجزًا استراتيجيًا وعسكريًا واضحًا، يُضعف الروح القتالية في صفوف الجيش الإسرائيلي، ويعمّق من شعور الجنود باللاجدوى، بل ويزرع فيهم بذور الهزيمة الداخلية.


الفلسطينيون.. من تحت الأنقاض تنهض العزيمة

على الجانب الآخر، يقاتل الفلسطينيون بدافع عقائدي ووطني لا يمكن شراؤه بالسلاح أو التكنولوجيا.
جنود المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتهم مقاتلو حركة حماس، يقاتلون بدافع الانتقام لمن فقدوا من أطفال ونساء وعائلات بأكملها تحت القصف الإسرائيلي الوحشي. هذا الدافع لا تخلقه أوامر القيادة أو التدريبات العسكرية، بل تولده نيران الظلم المتكرر، والحق المغتصب.

الجنود الفلسطينيون يقاتلون دفاعًا عن أرضهم وأهلهم، بينما غالبية جنود الاحتلال هم مجندون من دول أجنبية، جاءوا إلى “إسرائيل” بدافع الأحلام الاقتصادية أو الدينية، لا بدافع القتال، ولا استعداد لديهم لدفع ثمن حرب طويلة لا يفهمون دوافعها الحقيقية.


الفارق بين من يدافع عن قضية.. ومن يحارب بلا جذور

الجنود الإسرائيليون، حتى داخل وحداتهم القتالية، يعيشون اغترابًا مزدوجًا: اغتراب عن الأرض التي لا ينتمون لها، واغتراب عن أهداف الحرب التي تُخاض لأجل مصالح سياسية لا يشاركون فيها.

بعكس الفلسطيني الذي فقد أهله وبيته ويرى أن المقاومة هي السبيل الوحيد للكرامة، يجد الجندي الإسرائيلي نفسه في حرب لا تخصه، يطارد أشباحًا في أنفاق غزة، بينما يزداد شعوره بالخوف واللاجدوى والعجز عن تحقيق نصر حقيقي.


انتحار الجنود: عرض لمأزق عميق في مشروع الاحتلال

الانتحار المتزايد بين الجنود الإسرائيليين ليس مجرد خلل نفسي فردي، بل عرض خطير لانهيار داخلي في مشروع الاحتلال ذاته. إنها علامة على تآكل شرعية الحرب، وتفكك الدافع القتالي، وغياب الحافز الوجودي لمواصلة القتال.

لا يمكن لجيش أن ينتصر حين يفقد مقاتلوه سببًا للحياة، فيما خصومهم مستعدون للموت دفاعًا عن أرضهم وأهلهم وكرامتهم.


حين تتحول “الإنسانية” إلى سلاح معنوي بيد المقاومة

رغم كل المجازر الإسرائيلية التي لا تفرق بين طفل وامرأة، لم تسعَ المقاومة الفلسطينية إلى استهداف عائلات الجنود الإسرائيليين، في رسالة إنسانية وأخلاقية واضحة تُظهر الفارق الجوهري بين الطرفين:
المحتل الذي يمارس القتل الوحشي بلا تمييز، والمقاوم الذي يدافع عن حقه ويُبقي إنسانيته حيّة، حتى في أكثر لحظات الغضب.

هذا الفارق لا يمر مرور الكرام في نفوس الجنود الإسرائيليين، بل يتحول إلى عبء نفسي قاتل، خاصة حين يُطلب منهم تنفيذ أوامر عسكرية ضد مدنيين عزّل لا يشكّلون خطرًا مباشرًا.


خلاصة المواجهة: سلاح العقيدة أقوى من ترسانة الاحتلال

تتزايد حالات الانتحار في جيش الاحتلال لأنهم في النهاية يواجهون خصمًا لا يمكن كسره بالرصاص.
فحين يكون الموت شرفًا في سبيل القضية، فإن الحرب تتحول من معركة عسكرية إلى صراع وجود بين مشروعين:
مشروع مقاومة نابع من قلب الأرض والتاريخ، ومشروع احتلال مُستورد لا جذور له ولا مستقبل.

*كاتب صحفي وعضو المنظمة المصرية والدولية لحقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى