مؤسسات التعليم ..سجون للعقل: تأملات بقلم د. أمين رمضان
عندما سألت طلابي عن أهدافهم في الحياة، صدمني أحدهم عندما قال لي: ليس لي هدف، فابتسمت وقلت له: بل لك هدف، هو ألا يكون لك هدف، أما أغلب الباقين فكانت أهدافهم واحدة ومتكررة، وهي التخرج والوظيفة والسكن والزواج والأولاد والمال، ونادراً ما حدثني أحدهم عن أحلامه له في المستقبل، فتساءلت: ما هي المشكلة؟
صحيح أن الكثير من الطلاب العرب يتفوقون على أنفسهم وزملائهم حين يدرسون، أو حين يعملون بالخارج، وبالتالي ليست المشكلة في الطلاب، بل في مؤسساتنا التعليمية التي لم تزرع فيهم الطموح والإبداع، وحولت الطالب إلى متلقي فقط، ووضعت الجميع في سباق نحو العلامات، وليس نحو التعلم ذاته، بحيث يصبح التعلم قيمة مدى الحياة، فيستمر في التعلم الذاتي حتى بعد أن يتخرج، فأصبحت معاهد التعليم مثل السجون، ما إن يتخرج منها الطالب لا يود أن يعود لها أو يعود للتعلم مرة أخرى، ويؤكد ذلك الفرحة التي تجدها على وجوه الطلاب عند نهاية العام الدراسي، والفرحة الكبرى يوم التخرج، كأنها لحظة انتهاء العلاقة مع الكتب إلى غير رجعة.
كان حرياً بمعاهد العلم أن تكون محضناً لاكتشاف مواهب وقدرات الطلاب، وبناء شخصيتهم، وصناعة الإبداع، وإعدادهم للقرن الواحد والعشرين، ليقودوا المجتمع نحو المستقبل.
فالأمة التي تريد أن يكون لها مكانة في هذا العالم، ليس أمامها سوى إعطاء أهمية قصوى للتعليم، الذي يعتبر نقطة الانطلاق الأولى للمستقبل، فالتعليم هو الذي يضخ الحياة في شرايين الوطن، به تتقدم كل المجالات الأخرى، الصناعية والزراعية والتجارية وغيرها.
ما زلت أذكر دعوة أطلقها الكاتب الكبير الأستاذ فهمي هويدي، من سنوات، سماها الجهاد العلمي، استشعاراً منه بالخطر المحدق بنا عندما قارن بيننا وبين إسرائيل في مجالات البحث العلمي والمعرفة والتكنولوجيا الحديثة، وصدمه حجم الفجوة الرهيب بيننا وبينهم، وكل يوم يزداد تقدمهم، بينما نحن نتراجع.
قد يستغرب المرء من هذا الكلام، عندما يرى آلاف المدارس والمعاهد والجامعات، تناطح مبانيها السحاب، لكن حين تبحث عن مكانتها في العالم فلا تجدها. تنشر جامعة شنغهاي كل عام تصنيفاً لأفضل ٥٠٠ جامعة في العالم، حسب معايير عالمية وضعتها ومعروفة عالمياً، استعرضت أسماء الجامعات في آخر تصنيف صدر عام ٢٠١٦ (الرابط أسفل المقال)، فلم أجد أي جامعة عربية في المائة الأولى، سنظل مخدوعين، مع الأسف، عندما نقارن أنفسنا بأنفسنا، فنقول أحسن جامعة عربية لأنها في التصنيف، وهذا حقيقي، لكن ذلك لا يعني شيئاً، عندما تقارنها بالترتيب العالمي للجامعات.
وخير شاهد للحكم على التعليم هو الواقع الذي نحياه، وهو شديد التخلف وليس للتعليم عندنا أثر واضح في سد احتياجات المجتمع، والسبب أنّ المؤسسات التعليمية تحولت إلى سجون للعقل، تكافئ من يحفظ، وتلفظ من يفكر أو يبدع.
رابط جامعة شنغهاي للتصنيف العالمي للجامعات عام ٢٠١٦
https://www.timeshighereducation.com/student/news/shanghai-ranking-academic-ranking-world-universities-2016-results-announced