ماذا لو؟!!! : تأملات بقلم د. أمين رمضان

كلما ذهبت لصلاة الجمعة، ورأيت المصلين وهم يمسكون المصحف في أيديهم ويقرأون ما تيسر من القرآن، وكلما تذكرت أن هذا المشهد يعيشه الملايين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف جنسياتهم وأعمارهم وألوانهم، يخطر ببالي هذا التساؤل: ماذا لو؟!!!
ماذا لو تخيلنا أن هذا القرآن تجاوز الأيدي، ليدخل العقول والقلوب، ويحرك الأعضاء، وأعاد صياغة الإنسان في مصنعه الرباني، ليتخلق بأخلاقه، تخيلوا معي ذلك، ولا يسرح بكم الخيال بعيداً خارج الحدود البشرية، فنحن بشر ولسنا ملائكة، وإلا ستحلقون في مدينة أفلاطون الفاضلة التي صنعها في عالم الخيال، ولكن الدين جاء ليصنع من البشر عالم بشري إنساني واقعي.
تُرى، كيف ستتغير الحياة عندئِذ؟؟!!
أستطيع أن أقول إن الحياة ستكون إنسانية في صورتها العامة، فالقرآن هدىً للناس، والأخلاق التي دعا إليها القرآن إنسانية في المقام الأول، فالصدق، والوفاء بالوعد، والعدل، والعمل الصالح من أجل الناس والمجتمع والكون، وعدم القتل، وعدم السرقة، وعدم الغش، وعدم التجسس، وحفظ الأمانة، وغيرها الكثير والكثير من الأخلاق التي في ظلها تسعد المجتمعات الإنسانية، لأنها أخلاق الفطرة الإنسانية.
ولن يقف هذا النور، في هذه الحالة، على المؤمنين الذين آمنوا بالشريعة الإسلامية وحدهم، بل سينتشر ليعم الناس من حولهم، وسينتشر أكثر ليعم الكون الذي يعيشون فيه، فيقل التلوث البيئي بعد أن يقل التلوث الأخلاقي، وتَمُدَ ثروات الأرض أياديها عابرة الشح الإنساني لتنقذ ملايين الجوعى والمرضى من الموت الذي يفتِك بهم كل يوم، بل سينقذ أصحاب الكروش المنتفخة من السموم التي يأكلونها حراماً، وسينقذ الحكام من الظلم الذي يتجرعوه من دماء وأموال شعوبهم، وسينقذ العالم كله من الدمار المشتعل في كل أرض بها ضعفاء أصبحوا وقوداً لضخ الأموال لخزائن الشركات والمصانع التي تتاجر بالحياة البشرية، والمصانع التي تنشر أدوات الفتك والدمار لتمتلئ خزائنهم، والمرتشين الذين يملؤون حساباتهم من تدمير مجتمعاتهم، أخلاقياً ومادياً.
صحيح هذه أحلام، لإنقاذ الأرض من الدمار، ومن الوقوع في الهاوية التي تقترب منها كل يوم أكثر وأكثر، طالما يقودها شياطين الإنس، لكن التغيير يبدأ بحُلْمْ، والعالم الذي سنعيش فيه في المستقبل هو أحلامنا اليوم، ولا تتحقق الأحلام إلا بالعرق والجهد، وتغيير ما بأنفسنا.