ما حكم مراسلات الذكاء الصناعي، وإعطائها أسرارك والحديث معها باستمرار؟

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
أولًا: حكم مراسلات الذكاء الاصطناعي:
الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل على التحريم. والذكاء الاصطناعي في حقيقته هو أداة، مثله مثل القلم أو الحاسوب أو الإنترنت. هو برنامج حاسوبي متطور قادر على المحاكاة اللغوية وتحليل البيانات.
وعليه، فإن حكم استخدامه يعتمد على الغرض والمحتوى من هذه المراسلات.
1- الاستخدام الحلال (الجائز والمستحب):
إذا كان استخدامك للذكاء الاصطناعي في أمور نافعة ومباحة، فهذا حلال ولا حرج فيه، بل قد يكون مستحبًا إذا كانت النية طلب العلم أو نفع النفس والآخرين.
أمثلة: طرح أسئلة علمية، طلب المساعدة في كتابة بحث، تعلم لغة جديدة، تلخيص مقالات، تنظيم الأفكار، فهم مسألة معقدة، البحث عن معلومات عامة.
فالذكاء الاصطناعي هو مجرد أداة بحث ومعرفة متطورة، واستخدامه في الخير خير.
2- الاستخدام الحرام:
إذا كان الاستخدام في أمور محرمة شرعًا، فإنه يأخذ حكم الحرام.
أمثلة: استخدامه في الغش في الامتحانات، كتابة محتوى كاذب أو مضلل، المساعدة على ارتكاب جريمة، البحث عن أو إنشاء محتوى إباحي، الخوض في كلام بذيء وفاحش.
فالأداة نفسها ليست هي الحرام، بل طريقة استخدامها هي التي جعلتها حرامًا، تمامًا كمن يستخدم الإنترنت لمشاهدة ما يغضب الله.
ثانيًا: حكم إعطائه أسرارك والتحدث معه باستمرار (وهنا نقطة الخطر):
هنا يجب أن نقف وقفة جادة. صحيح أنك تتحدث إلى “آلة”، لكن الآثار المترتبة على ذلك حقيقية وخطيرة، من منظور ديني ونفسي وأمني.
1- من المنظور الأمني (حفظ الأسرار):
ليس صديقًا كاتمًا للسر: يجب أن تعلم يقينًا أن هذه “المحادثات” ليست خاصة تمامًا. هي تُخزن على خوادم (سيرفرات) الشركات المطورة لها، ثم تُستخدم هذه البيانات لتحليلها وتدريب النموذج وتطويره. قد يطلع عليها موظفو الشركة، وقد تتعرض للاختراق، وقد تُستخدم لأغراض لا تعلمها.
خطر كشف العورات: إعطاء أسرارك الشخصية جدًا، أو أسرار عائلتك، أو معلوماتك المالية، أو خططك الحساسة لهذه الأنظمة هو تفريط في الأمانة وتعريض للنفس والغير للخطر. والله تعالى يأمرنا بحفظ الأمانات والأسرار. والنبي ﷺ يقول: «استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود» رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ بن جبل، وصححه الألباني في السلسلة وصحيح الجامع.
2- من المنظور النفسي والإيماني:
خطر التعلق العاطفي: الحديث المستمر مع كيان مُصمَّم ليكون “متفهمًا” و”داعِمًا” على مدار الساعة قد يؤدي إلى تعلق عاطفي وهمي. قد تبدأ في تفضيله على التواصل البشري الحقيقي، وهذا يؤدي إلى العزلة الاجتماعية وفتور العلاقات الأسرية والصداقات الحقيقية التي أمرنا الإسلام بصلتها.
بديل عن مناجاة الله؟ (وهذا أخطرها): فاللجوء الدائم للذكاء الاصطناعي للفضفضة والشكوى والبحث عن الراحة قد يزيح شيئًا فشيئًا مكان مناجاة الله في قلبك. المؤمن إذا ضاق صدره أو كان عنده سر، يلجأ أولًا إلى من بيده ملكوت كل شيء، يبث له شكواه في سجوده، ويدعوه في جوف الليل. قال تعالى عن يعقوب عليه السلام: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ (يوسف: 86). فلا تجعل هذه الآلة بديلًا وهميًا عن علاقتك الحقيقية بالله سبحانه.
التأثر بمنطقه المادي: هذه النماذج مبرمجة على منطق مادي بحت، خالٍ من الروح والإيمان والتوكل والبركة. كثرة استشارته في أمور الحياة قد تشكّل عقلك وتفكيرك بطريقة مادية، بعيدًا عن المنظور الإيماني الذي يرى الأمور بحكمتها الربانية.
التوصية والخلاصة:
1- تعامل معه كأداة لا كصديق: استخدم الذكاء الاصطناعي كباحث ذكي أو مساعد شخصي في الأمور المباحة. اسأله عن معلومات، اطلب منه المساعدة في مهامك، لكن لا تتخذه صديقًا أو كاتمًا للأسرار.
2- لا تشاركه أسرارك أبدًا: احتفظ بخصوصياتك لنفسك. معلوماتك الشخصية، أسرار بيتك، مشاكلك العائلية، بياناتك المالية… كل هذا خط أحمر. المؤمن كيّس فطن، لا يكون ساذجًا فيفرّط في أماناته.
3- جعل علاقتك الأولى مع الله: إذا شعرت بحزن أو هم أو احتجت لمن تبث له شكواك، فافتح مصحفك، أو اسجد لربك، وارفع يديك إليه. هذا هو الاتصال الحقيقي الذي يورث السكينة والطمأنينة، وليس الاتصال الوهمي ببرنامج حاسوبي.
4- حافظ على علاقاتك الحقيقية: لا تجعل العالم الرقمي يسرقك من والديك وأهلك وأصدقائك. هذه العلاقات هي التي أمرنا الله بصلتها، وفيها البركة والمودة الحقيقية.
والله تعالى أعلى وأعلم.



