ما دُمنَا سنمُوتُ .. فلِماذَا لا نَمُوتُ واقفِين ؟!!بقلم : علاء الصفطاوي
يقولون: إنّ المنتصرَ والمهزوم يدفعان نفس الثمن، لكنّ الذي لم يقولوه: أنّ المنتصرَ يُحصِّلُ عزًّا وفخاراً .. والمهزومَ يحصدُ خِزياً وشناراً !!
شعورٌ ينتابني من حين لآخر كلما رأيتُ تلك الجموع الكبيرة، وهي تتزاحَمُ على المسجد لأداء الصلوات .. والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات، وأقولُ في نفسي: قبل سنوات قليلة تُعدُّ على أصابع اليدِ الواحدة، كان هناك إخوانٌ لنا في دول عربيةٍ وإسلامية يؤدون نفس العبادات، ويتقربون إلى الله بالقيام والتهجد وتلاوة الآيات، ثمّ ها همُ اليوم في الأرض متفرِقُون .. وعن بلادهم مشرَّدون، وكثيرٌ منهم حوَتْهم القبور، فهل كانوا يظنُّون أنّ حياتهم ستؤول إلى هذا المآل .. وسيصلُ بهم الأمر إلى هذا الحال !!
بالتأكيد لا، لكن العدو الذي يُخطط لإبادتنا عنده من الصبر على تحقيق أهدافه ما يجعله لا يتعجلُ قطفَ الثمرة قبل أوان نُضجها، وعنده من الاستراتيجيات التي يضعها للوصول لغاياته ما يجعله يخطو خطواتٍ متأنية، فهو ليس في عجلةٍ من أمره، فحسابات الدول غير حسابات الأفراد، ولذلك وجدنا هذا العدو الشَّرس يسير في طريق تحقيق أهدافه الشيطانية بخطوات محسوبة، وينفِّذ على أرض الواقع ما كان مرسوماً على عدد من الصفحات .. ومحفوظاً في خزائنه منذ سنوات، وبدأت الدول العربية والإسلامية تسقط واحدةً تلو الأخرى، فحينما سقطت العراق هلّل بعض العرب، وظنوا أنهم بمنأى عن هذا الطوفان، لكن بعدأعوام قلائل إذا بهم يجدون أنفسَهم يشربُون من نفس الكأس، وكأنّي بهم يعضُّون أصابعهم وهم يقولون : أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض !!
وظلّ هناك الكثير ممن لم يتعلّموا الدرس، وتراهم كمن شَرِبوا كؤوساً من الخمر أذهبت عقولهم وألبابَهم، فلا يدرون ما يحدث حولهم، والسؤال الذي يجب أن نجد له إجابةً قبل فوات الأوان : كيف وصل الحالُ بغالبية أبناء الأمة إلى هذه الدرجة من غياب الوعي والضمير والإحساس !
سؤال مريرٌ، لكنّ إجابته أكثرُ مرارة، لأنّنا نسيرُ في المضمار الذي رُسم لنا ليحقق عدونا فينا أهدافه، ونحنُ في غفلةٍ ساهون .. وعن خططه وأساليبه الماكرة غافلون !!
لكن بالرغم من هذه الصورة القاتمة، فإن هذه الأمة لا تخلو من بقية صالحة، ما زال عندهم وعي، ويدركون حجم الأخطار التي تحيط بهم من كلّ جانب، لكن بالرغم من هذه المعرفة فإنهم لا يزالون يراوحون مكانهم، ولم يأخذوا أهبتهم واستعدادهم عندما تحين لحظة الحقيقة، التي يدركونها تماماً، وما زالت حبيسة التفكير في الوسائل الدفاعية والتدابير الواقية، التي يحاولون من خلالها إنقاذِ أنفسهم، وطال بهم ذلك حتى أوشكوا أن تقع رقابهم تحت السكين التي سيذبحون بها !!
ولو فقه هؤلاء واقعهم المرير الذي يُشبه – تماماً – تلك اللحظات العصيبة التي مرّت بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد عندما أشاع الكفار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، وقد جلس عدد من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا أيديهم ( كناية عن فقدان الأمل والاستسلام للواقع ) فمرّ بهم أنس بن النضر – رضي الله عنه – فلما رآهم على تلك الحالة قال لهم : ما يُجلِسكم ؟!
قالوا : قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم !!
قال : فما تصنعون بالحياة من بعده ؟!! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إنّ الحياة أصبح طعمُها مرًّا، وإن شئت فقل علقماً، ولمَ لا ؟! وها نحن نرى المسلمين في بلادنا العربية والإسلامية يُضربون بالنابالم، وتتهدّم عليهم منازلهم جرّاء إلقاء الصواريخ والبراميل المتفجرة عليها، والمسلمون في بورما يُحرقون ويُبادون عن آخرهم، وشباب الأمة الذكي النقي يُقتلون تحت وطأة التعذيب الوحشي، فماذا ننتظر ؟!
هل نظل على هذه الحالة لا نحرك ساكناً،أم نُحيي في الأمة وفي شبابها الطاهر روحَ الجهاد ليواجهوا عدوهم الذي لا يعرف إلا لغةَ القوة، ولا يخشى إلا الرجال الذين يواجهونه في ساحة الجهاد مقبلين غير مدبرين ؟!
وأتصوّر أنّ هذا هو واجب الوقت، لذا يجب على أبناء الأمة المخلصين وعلمائها العاملين أن يهبّوا لإيقاظ الإيمان المخدر في القلوب، وإحياء ذروة سنام الإسلام في النفوس، لنواجه عدوّنا وشعارنا : إمّا أن نعود من الميدان منتصرين .. أو أن نلقى الله شهداء مخلِصين !!
إنّ مسلسل المؤامرة ضد هذه الأمّة بدأ مع بِدء الرسالة المحمّدية ومن بين حلقاته تلك الحلقة التي أُخرج خلال أحداثها بعض طوائف الأمة من دائرة أهل السنة والجماعة في مؤتمرهم المشبوه في الشيشان، وغداً سيتم تكفيرهم وإخراجهم من دائرة الإسلام، ليصبح دمُهم مستباحاً .. وقتلهم حلالاً، لتتخلص الأمة من شرّهم .. ويُنقَذَ العالمُ من إرهابهم، هكذا سيزعُم هؤلاء المجرمون، وسيجدون مَن يصدقهم من الرويبضة والتافهين .. والخونة والمنافقين !!!
وإنّي أتساءل بحرقة شديدة: لماذا نقبل بالدنية، مع أنّ الأشجار تموتُ واقفةً، ولماذا نركنُ إلى متاعٍ زائل، ولا نسعى لتحصيل متاع دائم، يصرف أحدنا – كما يقولُ بليز باسكال في كتابه خواطر- الأيام والليالي مغتاظاً لفقدانه منصباً أو من أجل إهانة وهمية، وهو الذي يعرف أنّه سيفقد كلّ شيء – أي كرامته ومكانته وعزّته – لو مات على هذا الحال، إنّه لأمر في منتهى الغرابة أن نرى في قلبٍ واحد هذا الشعور بأحقر الأشياء .. وهذا اللاشعور العجيب بأعظمها !!
إنّ ما قاله باسكال لو أسقطناه على واقع المسلمين وحاولنا أن نجدَ له تفسيراً فلن يطولَ بنا الوقت، لأنّ حديث رسول الله صلى الله عليه: يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتها … قد بين لنا مكمن الداء وسبب العلة وهي : حبُّ الدنيا وكراهية الموت، وأصبحنا أحرص النّاسِ على حياة ٍ ولو قضيناها ونحن نرتدي ثوب الذّل والهوان .. ونجري وراء دنيا زهد فيها أسلافنا وداسوها بالأقدام !!
ولو استمر بنا الحال على هذا المنوال فلنتهيّأ جميعاً لتلك اللحظة الفارقة التي سنقدَّم خلالها قُرياناً لأصحاب معتقداتٍ باطلةٍ .. وتصوّراتٍ فاسدة !!!